آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:11 ص

ثقافة الاعتبار

محمد أحمد التاروتي *

امتلاك القدرة على تجاوز المطبات على اختلافها، ليست متاحة للجميع بذات المستوى، فهناك عناصر تأخذ العبر لآخر العمر، بمجرد الوقوع في «مصيدة» الآخرين، بحيث يصعب اصطيادهم مرة أخرى، نظرا لاتخاذ الوسائل المتعددة، لتفادي الوقوع في الأفخاخ.

فيما على الطرف النقيض تماما، حيث لا تحتاج بعض العناصر سوى جهود بسيطة للايقاع بها، وتجريدها من كافة عناصر القوة التي تمتلكها، فهذه الشريحة الاجتماعية لا تمتلك القدرة على الاستفادة من الأخطاء السابقة، مما يفسر تكرار الأخطاء الفادحة، سواء على الصعيد الذاتي او الصعيد الاجتماعي، اذ تسبب في احداث مصائب كبرى، يصعب السيطرة عليها بسهولة، فهذه الشريحة الاجتماعية، ليست في رواد الاستفادة ”لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين“، فهي سرعان تلدغ بذات الوسائل مرات عديدة، وعبر العناصر ذاتها.

عملية الاعتبار من الأخطاء، وأخذ الدروس من تجارب الحياة، تسهم في الارتقاء نحو الأعلى، سواء على الصعيد الشخصي او المعرفي، خصوصا وان الفشل كما يقال وسيلة للنجاح، لدى العناصر القادرة على تحويل الأخطاء، لصعود سلم النجاح في الحياة، فيما تكون وبالا كبيرا على العناصر، التي تتحطم بمجرد السقوط في بداية الطريق، بمعنى اخر، فان الروح التي يمتلك المرء، تمثل الوقود الذاتي القادر، على قهر المصاعب الحياتية، وكافة الأفخاخ التي تنصب في الطريق.

المرء بما يمتلك من قدرات هائلة أودعها الخالق لديه، قادر على التأقلم مع الصعاب الحياتية، بحيث يستفيد منها بالطريقة المناسبة، مما ينعكس إيجابيا على مسيرته الحياتية، فالانسان مخلوق يمتلك القدرة الكبرى، في تحطيم القيود المادية، والمعنوية على حد سواء، نظرا لامتلاك العقل الذي يؤهله، لتحويل الإحباطات، الى عوامل نجاح، ﴿فاعتبروا يا أولي الالباب.

النظر الى تجارب الأمم السابقة لأخذ العبر، والدروس امر غاية في الأهمية، خصوصا وان الانسان يصل الى مرحلة، يقول ﴿أنا ربكم الأعلى، و﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي، بحيث يعطي نفسه مساحة تتجاوز البقعة الجغرافية، التي يشغلها على ظهر كوكب الأرض، مما يدفعه للإقدام على ممارسات لا تتصور، وترفضها كافة الشرائع السماوية والإنسانية، ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ، فالقران يعطي البشرية جمعاء، دروسا وعبر من خلال سرد قصة قارون، الذي طغى وتكبر، نتيجة الأموال التي جمعها، فكانت النتيجة، ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ.

مشكلة البعض يتصور استمرار عناصر القوة، التي يمتلكها لفترة طويلة، دون النظر لتحولات الدنيا والزمن، مما يجعله يتصرف بسطوة كبيرة، بغض النظر عن العواقب المترتبة، على النهج السلطوي تجاه الآخرين، مما يدفعه لارتكاب حماقات وفظائع، تجاه الاخرين، وبالتالي يتحول الى عبرة عوضا من امتلاك «الاعتبار»، لتسخير الحياة في الارتقاء بالبشرية، بدلا من سلوك طريق هلاك الحرث والنسل.

كاتب صحفي