آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:36 ص

موت الدول

حسين نوح المشامع

قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ «85» آل عمران

قال رسول الله ﷺ: «علي مع الحق والحق مع علي، يدور الحق حيثما دار».

اجتمعنا لتسجيل الحلقة الواحدة والعشرين من هذه السلسلة في بداية شهر رمضان من سنة ثمانية وثلاثين وأربعمائة وألف من السنة الهجرية، وبعد ثبوت رؤية الهلال واتفاق معظم المسلمين - ولله الحمد - أن السبت هو أول أيام الصيام.

كان موعد هذه الحلقة في مجلس الضيوف لوجود ابن أخي بيننا، وكان جلوسنا هذا بين وجبتي الإفطار والسحور، ولكون الضيف صغير العمر أرتا ابننا القيام بإدارة الحلقة لقرب أعمارهما، فهو اقدر على توصيل المعلومات المطلوبة، وقمت أنا بدور تسجيل ما يدور في الحلقة.

كالعادة كان مجلسنا جاهزا مكانا وجوا لنتمكن من متابعة الحلقة دون ما إزعاج، ومع حضور الضيف وبعد تقديم أصول الضيافة، بدأت حلقتنا.

عندما رأى ابننا جاهزية ابن عمه للمحاورة، قام لقيادة الجلسة، وقال: تفضل يا ابن عم وابدأ بإلقاء ما يدور في خلدك من أسئلة.

شكرا لعمي العزيز ولك - ابن العم - على استضافتي. أما سبب حضوري هذه الليلة فشيئان، أولهما استجابة لواجب القربى التي بيننا والتي دعانا إليها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، والرسول ﷺ في أحاديثه الشريفة، وثانيهما سماعي عن حلقات الثورة الاجتماعية للإمام الحسين التي يضعها عمي والدكم على الشبكة العنكبوتية.

لقد عرفنا سبب تشريفك لنا، ونحن ممتنون لحضورك وسعداء بوجودك بيننا، فما هو سؤالك الأول يا ابن عم؟

كما عرفنا تاريخيا إن ما من دولة قامت على بغض وكراهية كربلاء والإمام الحسين إلا وكان مالها إلى الزوال والموت، فلما كان ذلك، يا ابن عمي؟

يعتقد المحققون أن الحقيقية الحسينية تقوم على أساسين مهمين هما ديمومة البقاء ونفي الأضداد.

وما معنى ديمومة البقاء؟

إن ديمومة البقاء تعني أن الإمام الحسين لم يذهب إلى كربلاء ويقتل فيها إلا لتبقى ذكراه وتبقى معه كربلاء إلى قيام الساعة، تماما كذكرى جده رسول الله التي بقية إلى هذا اليوم رغم انتقاله إلى الرفيق الأعلى، بل بقي اسمه يرفع على رؤوس المنابر مقرونا بذكر الله جل جلاله لا ينفك عنه.

لقد وصلت فكرة ديمومة البقاء واضحة كالشمس، الآن ما هو معنى نفي الأضداد؟

نفي الأضداد كما قلت أنت سابقا، وكما يقول المحققون: ما من دولة قامت حتى ولو كانت قوية صلبة ولكنها تعادي الإمام الحسين وكربلاء إلا كان مألها الموت والفناء، حتى وإن طال بقائها. بل متى ما بدأت بحربها العلنية للإمام الحسين إلا وبدأ العد التنازلي لقرب هلاكها.

أود أن نبعد الدولة الأموية قليلا عن ساحة الحوار، لأن لا ينظر إلى حوارنا كامتداد للصراع الهاشمي الأموي الذي استمر من زمن الجاهلية وامتد إلى ما بعد بزوغ شمس الإسلام. ونحلل وضع الدولة العباسية التي كانت هاشمية الأصل، وقد قامت كما نعلم باستغلال الحركة الحسينية كغطاء لها، وكان شعارها إرجاع الخلافة لأهل البيت ، لذا التف حولها الكثير من الناس.

أن أي دولة قامت بحرب الإمام الحسين الدولة العباسية أو غيرها تمر بعدة مراحل دورية رئيسيّة، منها..

1 - المرحلة اللينة.

2 - حلة الإفتراسيّة.

3 - المرحلة الثعلبيّة.

4 - مرحلة الموت. *

وما هي علامات المرحلة اللينة هذه، يا ابن عمي؟

كانت المرحلة اللينة في عهد كلّ من السفّاح والمنصور عند بدأ قيام دولتهم، فكان ينظران للحقيقة الحسينيّة المتشكلّة بالإمام جعفر بن محمّد الصادق سلام الله بنصف عين، ولو من بعيد فلا يجرءان على مسه بسوء، لأن دولتهم قامت باسم جده الإمام الحسين .

وفي عهد من كانت الفترة الإفتراسية؟

وضحت الفترة الإفتراسية جلية في عهد هارون الرشيد حيث قضى بالسم على ممثل الحقيقة الحسينية وهو الإمام الكاظم .

وفي عهد من من خلفاء بني العباس كانت المرحلة الثعلبية؟

كانت هذه الفترة في عهد الخليفة عبدالله المأمون الذي أقر على رؤوس الأشهاد، بأحقية أمير الإمام علي بن أبي طالب بالخلافة الإسلامية، وانه أفضل من غيره من الصحابة قاطبة، بل تعدى ذلك لينصب الإمام الرضا ولي لعهده.

طبعا تبدأ مرحلة موت دولة بني العباس مع سم المأمون وقتله للإمام الرضا .

هذا صحيح.

أنا معك يا ابن عم في كل ما قلت، ولكن ما بال الدول الشيعية التي قامت مرتكزة على كربلاء وعلى فكر الإمام الحسين لم تدم طويلا وماتت كما ماتت الدول المحاربة له، أليس هذا عجيبا في رأيك؟!

يقول المحقوقون: أن هذا لن يكن عجيبا إذا ما عرفنا السبب وراء هذا الموت الغير المتوقع، رغم أن هذه الدول قامت على الحق وجاهدت من أجل تحقيقه.

وما هو السبب وراء موتها، يا ابن عمي؟

يقول المحققون: صحيح أن تلك الدول الشيعية قامت متكأه على مصيبة كربلاء وعلى الأفكار الحسينية، ولكنها حبست تلك الأفكار وتلك الرؤى داخل غطاء الخصوصية المقيتة التي حاربها الحسين وجده ﷺ من قبله، جده الذي قال: «لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى». مهما كانت نوعية هذه الخصوصية، سياسية أو شعوبية أو إقليمية أو اقتصادية أو اجتماعية. لان الحسين ليس ملكا لمجموعة من الناس أو مجموعة من الأفكار بعينها، بل هو ملك للبشرية جمعاء. قتل في كربلاء لتموت عبودية البشر للبشر، وتبقى عبودية البشر لخالقها ورازقها، كما قال الله تعالى: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». وكما قال أمير المؤمنين : «أيها الناس إن ادم لم يولد عبدا ولا أمة، وأن الناس كلهم أحرارا».

هذا إذا قانونا عاما، كما ينطبق على الدول الماضية ينطبق على الدول اللاحقة، وينطبق على الدول المعادية كما ينطبق على الدول الموالية لا فرق في ذلك.

نعم تلك هي الحقيقة الحسينية البيضاء الناصعة، مثلها مثل الحقيقة المحمدية، لا يمكن تكفينها في لباس معين، يمكن أن تخدر لوقت معين ولكن لا تموت أبدا، فما تلبث أن تعود بعد زوال خدرها وزوال المانع عنها جديدة نامية.

شكرا يا بني على حسن صنيعك، فلقد قمت بدورك كأحسن ما ينبغي، وشكرا لابن عمك على زيارته لنا، وعلى اهتمامه بفكر الإمام الحسين وحركته المباركة، كثر الله من أمثالكم في مجتمعنا.

بقلم: حسين نوح مشامع

* «ديمو تاريخ الرسول المصطفى ﷺ والحسين » باسم الحلي