ثقافة الدمار
عملية التدمير الشامل او الجزئي، مرتبطة بالثقافة التي يحملها الانسان تجاه نظيره، فكما ان المحبة تدفع باتجاه الحياة، والبناء بمختلف اشكاله، فان الحقد والكره تقود لمحاولة القضاء على الغريم، او التحرك الجاد لإلحاق الضرر الكبير، سواء على الصعيد المادي او المعنوي.
التدمير الشامل تولده النوازع الذاتية، التي تحرك الانسان باتجاه القسوة والشدة، من اجل قتل كافة أشكال المقاومة، والخروج من المعركة منتصرا، اذ تمثل المحفزات الدينية احدى العوامل الأساسية، باتجاه تبرير تلك الممارسات، الامر الذي يفسر عمليات التدمير الشامل، والإفساد في الأرض، الذي سجله التاريخ في الحروب الصليبية، التي انطلقت من الغرب باتجاه الشرق، بحيث ساهمت في القضاء، على مساحات خضراء واسعة، فضلا عن انهر الدماء، التي اريقت خلال تلك الفترة الزمنية.
اعتماد التدمير مرتبط كذلك، بالصراعات السياسية والخلافات على الزعامة، اذ يحاول كل طرف فرض سيطرته على الطرف الاخر، من خلال استخدام جميع الأوراق، التي يمتلكها سواء المشروعة، او غير المشروعة، مما ينعكس على هلاك الحرث والنسل، فكل طرف يجد الغطاء السياسي، الذي يمكنه من اللجوء الى القوة التدميرية، فالحروب التي عاشتها البشرية منذ فجر التاريخ، ساهمت في إلحاق الدمار الكبير في الممتلكات، وكذلك القضاء على الحياة في بعض المناطق.
ثقافة الدمار ظاهرة منتشرة، في غالبية الثقافات السائدة، لدى مختلف المجتمعات البشرية، اذ تعتبر الطريقة المثالية للتعبير عن مقدار الغضب، والكره تجاه الطرف الاخر، بحيث يتحول الاختلاف الفكري والسياسي، في الغالب الى حروب شعواء، لا تبقي ولا تذر، فالبعض لا يتحمل الأصوات الأخرى، التي تخالفه، او تحاول التعبير عن تطلعاتها، بطريقة حضارية، مما يقود في النهاية لانتهاج سياسة الأرض المحرقة، بهدف اسكات تلك الأصوات بشكل نهائي.
المبررات التي يقودها البعض، لانتهاج سياسة التدمير، يمكن تفهمها لفترة زمنية محدودة، نتيجة ارتفاع مستوى الغبار في ساحة المعركة، المستعرة بين الأطراف المتصارعة، بيد استمرار تسويق تلك المبررات بعد النجلاء الغبرة، امر غير مفهوم لدى الغالبية الساحقة من المراقبين، خصوصا وان الرؤية تكون اكثر وضوحا، مما يمكن من رؤية الأمور على حقيقتها دون تزييف او مبالغة، الامر الذي يشكل حافزا للضغط، على الطرف الأكثر شراسة، لإعادة النظر في طريقة المعالجة، للحيلولة دون الاستمرار في سياسة الخراب، والقضاء على مختلف أشكال العمارة، نظرا لكون الدمار يحمل في طياته تداعيات، وجروحا عميقة من الصعب التئامها بسهولة.
وضع القرآن قاعدة في التعاطي مع العدو، من خلال الدخول في السلم، وعدم التمادي في إظهار القوة، خصوصا والحروب لا تخلف سوى الدمار المادي والمعنوي، مما يولد الأحقاد داخل البيئة الاجتماعية الواحدة، او اتساع هوة الخلافات بين المجتمعات البشرية، ﴿فان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم﴾.