رمضان والسلام الداخلي
يحل شهر رمضان الكريم ويحيط بكل واحد منا العشرات من القضايا والأزمات، سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي؛ بسبب ما يدور حولنا من أحداث وما تفرزه من انفعالات سلبية تترك آثارها في داخل النفوس وأحيانا كثيرة تنعكس على التعامل مع الآخرين.
شهر رمضان يأتي ليعيد الإنسان إلى ذاته، ويطرق المنبهات الداخلية فيه لاستعادة التوازن النفسي، وتأكيد القيم الإنسانية العليا كالصبر عن الملذات والشهوات المادية والحسية، والتحمل والرحمة بالآخرين والتعاطي الايجابي معهم. الصوم في شهر رمضان يوجب على الإنسان الصائم مراعاة حرمة الآخرين وعدم التعرض لهم بإساءة.
في ظل الأوضاع المتأزمة التي نعيشها، والتي تلقي بظلالها السلبية على العلاقة بين أبناء المجتمع بشكل عام، نحن بحاجة إلى منطقة سلام نلتقي حولها بكل صفاء ومودة وحب، فترة هدنة نسترجع فيها ما لنا وما علينا، وهو ما توفره لنا أجواء هذا الشهر الفضيل.
السلام الداخلي بدأ ينحسر كثيرا في أوساطنا بسبب ضغوط الحياة وزيادة التوترات، وبدونه تصبح العلاقات البينية متوترة، تماما مثل أمراض الحساسية التي تنتشر وتزداد في مواسم هبوب الرياح وما ينتج عنها من غبار في الجو.
عندما تضبط بوصلة السلام الداخلي في الإنسان فإنه لا يرى في ذاته إلا معطاء ورسول سلام للآخرين ولمن حوله، فشهر رمضان يعيد تصفير العدادات الداخلية للإنسان من مشاعر وقوى سلبية تجاه الآخرين، ويجعل من الإنسان الصائم أكثر شعورا بالإنسان الآخر وإحساسا بحاجاته.
صلة القربى، التراحم والعطاء، الشعور بالمسئولية تجاه الآخرين، التواصل واللقاءات الاجتماعية، العبادات ودورها الايجابي، جميعها أعمال يتميز بها هذا الشهر دون غيره من الشهور، حيث تكون النفوس مهيأة لكل عمل إيجابي وإنساني.
من المهم أن تستثمر هذه الأجواء لأعمال الخير الاجتماعية، ليس على صعيد توزيع الطعام فقط، وإنما في تعزيز العلاقات الإيجابية وإطلاق مبادرات بناءة، وتسوية الخلافات والنزاعات، وتعزيز التواصل الاجتماعي كي يكون متواصلا ومستمرا. لعل في بعض هذه الأعمال وجوبا لذاتها؛ لما تتركه من تأثيرات إيجابية على الصعيد العام، مقارنة بغيرها من الأعمال والعبادات ذات البعد الفردي.