آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

ثقافة الهاوية

محمد أحمد التاروتي *

يفتقر البعض للقدرة على ادراك خطورة المواقف، التي يتخذها على البيئة الاجتماعية الحاضنة، اذ يعمد لإطلاق المواقف دون مراعاة لحساسية المرحلة، مما يسهم في إشعال المشاكل، عوضا من محاولة اختيار الأسلوب الأفضل، لإخماد النيران المشتعلة، بحيث يقف بالمرصاد لجميع المساعي الهادفة، لإيجاد الحلول المناسبة، تارة عبر توزيع الاتهامات في جميع الاتجاهات، وتارة أخرى عبر التشكيك في نوايا الآخرين، الامر الذي ينعكس سلبا على الجميع.

سلوك الهاوية ليس مقتصرا بالضرورة على نطاق ضيق، فكما ان الانسان يتحمل تبعات مواقفه في الحياة، فان المجتمع يأخذ نصيبا من المواقف، التي تتخذها النخب الثقافية، خصوصا وان الثقة التي تحظى بها - النخب - لدى المجتمع تدفعه للسير وراء تلك المواقف، الامر الذي ينعكس سلبا على شرائح واسعة، لذا فان التفكير الجاد قبل إطلاق المواقف بمثابة طوق نجاة للجميع، فالنخب التي تتحرك وفق قاعدة المصلحة الاجتماعية، ترفض إطلاق المواقف ذات الأثر السلبي، باعتبارها خطوطا حمراء، ينبغي الابتعاد عنها قدر المستطاع.

اختيار المواقف الصائبة، تتطلب امتلاك القدرة على تلمس الخطورة الحقيقية، خصوصا وان ابداء حسن النية، ليس مبررا كافيا لرفع الصوت، على الأصوات الأخرى الأكثر عقلانية، في التعاطي مع الملفات الشائكة، فالصوت الواحد مهما كانت قدرته على الوصول عاليا، يبقى بحاجة الى أصوات الآخرين لمواصلة العطاء، نظرا لمحدردة الانسان على الصراخ، بالإضافة لذلك، فان انتهاج سبيل الصدام المباشر، يتطلب وجود أدوات عديدة، وقدرة على مجاراة الطرف الاخر، ”لو أرادوا الخروج لأَعَدُّوا له عدة“.

مشكلة أصحاب الأصوات العالية، تكمن في التصرف بفوقية مرتفعة، دون النظر للآخرين، بحيث تصبح مواقف الأطراف الأخرى ناقصة، وغير ناضجة، بخلاف مواقفها التي تمتاز بالنضوج، والرؤية الثاقبة، مما يجعلها ترفض جميع الاّراء، غير المنسجمة مع المواقف، التي تتخذها في معالجة الملفات الاجتماعية الشائكة، الامر الذي يسهم في احداث الطلاق البائن، مع مختلف النخب الفاعلة في المجتمع الواحد.

الإمعان في ارتكاب الأخطاء، احدى الملامح البارزة، لدى أصحاب ثقافة الهاوية، فهذه الشريحة الاجتماعية، ترفض الاعتراف بالويلات، التي احدثتها جراء الإصرار، على السير في عكس التيار، اذ تحاول اختلاق المبررات، وتحميل بعض الأطراف المسؤولية، دون امتلاك الشجاعة للتسليم، بعدم صوابية المواقف الصدامية، التي اطلقتها منذ الوهلة الأولى، بمعنى اخر، فان الإصرار على المواقف الخاطئة، يجبر أصحابها على انتهاج سلوك العداء، للكثير من النخب الاجتماعية، تحت عناوين مختلفة وأسماء عديدة.

عدم القدرة على قراءة الأحداث الشكل الصحيح عملية واردة، فالانسان معرض لارتكاب الأخطاء في مسيرته الحياتية، سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي، بيد ان الاختلاف يكمن في محاولة البعض التوقف، واختيار الطريق الصائب، فيما البعض يمعن في الخطأ عبر السير في الطريق الخاطئ، الامر الذي يسهم في ادخال شرائح اجتماعية، في أتون مشاكل لا طائل منها، ولا تجر سوى من مزيد من المعاناة، والآلام، سواء المرحلة الانية، او المستقبلية.

كاتب صحفي