آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 4:00 م

الثنائية الهرمة «2 - 2»

محمد العلي * صحيفة اليوم

كل تلك الأسس التي عددها المقال السابق والتي قام عليها مفهوم الأقلية والأكثرية مشى عليها التطور بقدميه، حين شبت الطفولة البشرية عن الطوق، وراح الوعي يشحذ نفسه ويراجع المفاهيم التي غرستها فيه عهود الظلام والخرافة، فحلت القوة التي تحمي الفرد في الدولة لا في القبيلة وأصبحت «العراقة» مجرد عنصرية وهمية، وأصبحت العقيدة خيارا حرا من أوضح حقوق الانسان، ومثلها حرية الفكر والتعبير عنه.

وإذن لماذا بقيت هذه الأسس التي انقرضت في بعض المجتمعات راسخة شامخة في مجتمعات أخرى.. ومنها عالمنا العربي؟

بقيت لأسباب تاريخية تتجذر في السلوك الشعوري واللا شعوري للذهنية العربية.. فمنذ آلاف السنين وعقيدة «الجبر» تترسخ من العصر الجاهلي.. الأمر الذي يشل الفرد عن الفعل ويزج به في سلاسل الاستسلام.. وقد توالى سلب الإرادة الفردية والجماعية طوال العصور التالية.. حتى وصول عالمنا إلى العصر العثماني المظلم الذي مزق العالم العربي على أساس طائفي تسوده القومية الطورانية الأشد ضراوة من العنصرية.. وطوال خمسة قرون رسخت العثمانية كل ألوان التمزق الديني والمذهبي والعرقي.. حتى جاء طوفان الاستعمار الغربي، حاملا وصية تشرشل: «إذا لم تتمكنوا من الهيمنة على منطقة بادروا إلى تجزئتها».

لقد تلقف الطوفان وصية تشرشل هذه وطبقها في العراق أبشع تطبيق في التاريخ بحيث أصبحت إرادة شريدة ممزقة.. فطفح المخزون التاريخي من الكهف الطائفي عند الأكثرية والأقلية على السواء.

إذ لم يكف ما ذكره روجيه غارودي وهو أنه أوقع قصف العراق، وفقا لإحصائيات الصليب الأحمر الدولي 100 ألف قتيل من المدنيين، وسبّب الإبقاء على الحصار التعسفي موت «500» ألف طفل.

ترى ما العمل؟

يعتقد بعض الكتاب أن «القطيعة» هي المنقذ من هذه التمزقات، أي أن نعتبر كل ما حدث قديما خارج التاريخ، وعلينا أن نحيا عصرنا، وهذا صحيح، ولكننا نتساءل مع أدونيس «كيف القطيعة مع نهر ما زلنا نسبح فيه؟» وإذا كان هذا ممكنا مع الطليعة أو الصفوة حسب التراتب العمودي، وهم أقلية دائما، فكيف يمكن ذلك مع المستوى الأفقي؟ إن هذا دليل إضافي على أن مفهومي الأكثرية والأقلية يفتقدان المعنى العقلاني.

كاتب وأديب