معالي الأمور خير من سفاسفها
يحكى أنّ هناك ثورًا دائم السخرية من الأسد والحديث عنه في الغابة بكلام بذيء. ومع هذا فقد كان الأسد مشغولاً عنه ولا يبالي بما يقول؛ لوضاعة قدره أمام وحوش الغابة.
واستمر الثور في رفع حدة الكلام ومناوأة الأسد ليبرز وتلمع صورته لمن على شاكلته، لكن دون جدوى؛ لأنّ الأسد يمشي رافعاً رأسه مجابهاً أشجع وأكبر من في الغابة.
حتى انزعج أحد مرافقيه من أفعال الثور مبلغاً الأسد: ألا تجعل لهذا الوضيع حدًّا؟
فرد الأسد: هكذا الكبار! لا يتنزلون لصغار العقول وإن كبرت أجسامهم.
فأنا لا ألتفت إليه؛ لكي لا يبلغ مراده الذي يصبو إليه كما فعل الفأر للقطة التي كانت تعيش في منزل مدللة ومكرمة من أصحاب المنزل.
غير أنّ الفأر كان منزعجاً من القطة ولا يريحه وجودها في المنزل؛ لأنّها تعكّر عليه وتحرمه الأكل والشراب، فأخذ يهزأ بالقطة فتنزعج منه وتلاحقه وهو يتعمّد المرور بالأواني المنزلية الثمينة فتقع على الأرض وتنكسر.. حتى انزعجت صاحبة البيت يوماً من أفعال القطة وطردتها من المنزل.
فهل عرفت الآن يا صديقي.... أنّ الكبير لا ينزل نفسه لصغير لكي لا يبلغ ما يهدفه إليه؟.
ما يستفاد من هذه القصة أنّ هناك الكثير يريد أن يبرز على حساب غيره أو يقود حراكاً يربك ما يقوم به الآخرون من عمل؛ نتيجة الضعف الذي ينتابه ويسيطر على شخصيته الهزيلة حيث إنه يريد الالتفات إليه والاهتمام بأمره، ما يدلّ على نقصه وخواء في عقله، يستخدم كلّ ما عنده في سبيل تحقيق الهدف الذي يصبو إليه.
لكن في المقابل، هناك من يرى من المناسب عدم الاكتراث والاهتمام بأمر مثل هذا واستبداله بما هو أهمّ والانشغال بما هو أكبر ويُعوّض ذلك بسعة في تفكيره وعقله.
ومع الأسف، البعض يتخلّى عن تفكيره وينشغل بصغار العقول ويعطي الطرف المقابل فرصته التي أراد بها إشغاله وإرباك حركته وتعطيل مسيرته، لذلك هناك من هو صاحب كفاءة عالية وذو أفكار متقدّمة وصل إلى مرحلة توقّف فيها عن التميّز؛ لأنه تخلّى عن معالي الأمور وانحدر إلى سفاسفها.