آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:06 ص

فن تذوق الحياة

ياسين آل خليل

لا أحد ينكر وجودك، فقلبك ينبض وكذلك بقية أعضائك الحيوية، لكن هل هذا مقياس للعيش الحقيقي..؟ أن تعيش الحياة وتتذوقها، فهذا فن يحتاج إلى عقلية تمتلك القدرة على الحضور والتفكر في كل لحظة، كما يتطلب علمًا ويقينًا ثابتًا منك، بأن الساعات والأيام والسنين التي تحياها لا تعيد نفسها، بل تحدث لك مرة واحدة، وهذا هو عمرك، أو بالأحرى قدرك المحتوم. بالتالي عليك الإستفادة القصوى من وقتك الذي تعيشه، وعدم التهاون به وكأنه لا يساوي جناح بعوضة. الحياة هي أثمن هبة أنعم الله بها عليك. عشها وتذوقها إلى النهاية، تسعد وتهنأ وتؤكد لنفسك والآخرين بأنك موجود.

أن يعيش المرء حياة متهورة كما لو لم يكن هناك من أمل في غد واعد، فهذا ليس من الحياة في شيء. أكيد ومن دون شك، لا يمكنك أن تعيش حياتك، فضلًا عن أن تتذوقها، دون أن تُغَيّر من طريقة تفكيرك وأن تشرح صدرك ليتقبل ولو القليل النادر من النقد الذاتي الإيجابي. اعتقد بقناعة بأنك وُجدت لتَسْعَد في هذه الدنيا، لا أن تعيش الكآبة وتَبُثّ الحُزْن أينما حلّت قَدَمَاك.

الكثير من الناس يَتلوّعُون ألمًا على ما فاتهم من عُمْر، دون أن يتمكنوا من تحقيق الجزء اليسير مما يمكن أن يُطلق عليه ”عيش“ في معاجم اللغة، لكن ما الفائدة من الآهات إذا لم يكن هناك من إجراء يغير واقع الحال. أخي في الإنسانية، لا تحزن ولا تَحْمل همًّا، فهناك دائمًا مُتّسَع من الوقت للتغيير واستثمار ما تبقى من سنين العمر في أشياء تحبها وتسعد بها. إبدأ يومك وكأنك إنسان جديد، للتو قد صحى من غفوته ليجد نفسه على هذه الأرض، وفِي الدقائق الأولى من صحوته اتخذ قراره الإستراتيجي بأن يعيش حياةً يفتخر هو بها وبكل دقيقة يعيشها مع نفسه وبيئته، وفي أجواء ترقى لأن تُنسب إلى ما يمكن أن يُسمّى ”حياة“.

من المهم أن تكون واعيًا بأن شيئًا جديدًا هناك ينتظر أحدًا ما أن يكتشفه، كن أنت ذلك الشخص الذي يحظى بذلك الإكتشاف. إصحى باكرًا واذهب في نُزهة بين الحقول ودون أن تحمل أجهزتك الذكية معك، حتى لا تنشغل بها. أنت الآن بعيدًا عن ضوضاء وصخب الحضارة بكل ما تحمله من منغصات تُفسد عليك كل دقيقة من متعة العيش. وأنت تتجول بين الحقول، متع نظرك بكل ما تراه أخضرًا، مُركزًا على تفاصيل ما تشاهده من نباتات وثمار وحتى حشرات، لم ترقبها من زمن بعيد، أو رأتها عيناك دون أن تُمْعن النظر في مكونها وتفاصيل تركيبتها، للتعرف على قدرة الخالق ومنها لينعكس ذلك التمعُن عليك بارتقاء تذوقك لكل شيء من حولك.

إذا كنت لا تزال على رأس العمل، فاستمتع بما تقوم به ولا تؤجل سعادتك إلى أوقات فراغك، فقد لا تحظى بتلك السويعات هي الأخرى، فيضيع يومك ويبقى الندم يُؤرقك على فرصة قد فاتتك. معظم الناس يعرفون كيفية التمتع بأوقات فراغهم، لكن الكثير منهم للأسف يجهلون كيفية الإستمتاع بساعات العمل الطويلة وكأن الوقت الذي يقضونه هناك ليس محسوبًا من أعمارهم. حتى لو لم يكن إنقاذ الأرواح من طبيعة عملك، تيقن بأنك في النهاية تقوم بعمل إيجابي تخدم فيه وطنك ومجتمعك، دون أن تدري، لذلك أرح بالك وتذوق كل لحظة من حياتك بغض النظر عن الكيفية والمكان.

صحيح أنك لن تتمكن من أن تقلب الطاولة بين ليلة وضحاها وتغير ما اعتدت فعله لسنين، إلا أنك ستكتشف مع مرور الوقت بأن إنجاز الأشياء الكبيرة ماهو في الواقع إلا مجموع تلك الخطوات الصغيرة التي اعتقدت أنها بسيطة في المضمون والتأثير. تكرار عاداتك الإيجابية والقيام بها يوميًا ودون انقطاع، سيجعلك تلتزم بها إلى حد أنها تتحول إلى روتينًا محببًا وجزءًا لا يتجزأ من أعمالك اليومية. دوامك على تبني هذه الإجراءات واتخاذها كنظام حياتي متجدد، سيغير الكثير من سلوكياتك القديمة، لتكون هذه المرة إنسانًا يمتلك فن تذوق الحياة.