آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 4:00 م

الزيارة الاستثناء

محمد الحرز * صحيفة اليوم

كل حدث استثنائي مقوماته ترتكز على أربعة عوامل تفضي به إلى أن يكون متميزا ومؤثرا على جميع الأصعدة والمستويات سواء أكان ذلك التميز من جهة الدولة أم المجتمع. هذه العوامل هي: الأمن والاستقرار، القوة الاقتصادية، المكانة التاريخية، الموقع الجغرافي. وجميع هذه العوامل لم تتوافر في أي دولة أخرى مثلما هي متوافرة في أرض الحرمين الشريفين. لذلك خلال يومي السبت والأحد الفائتين قدمت الرياض أنموذجا لصناعة الحدث الاستثنائي باستقبال الرئيس الأمريكي ووفود أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية، واحتضانها ثلاثة مؤتمرات مهمة ليس على الصعيد الإقليمي وإنما على الصعيد العالمي أيضا. وهذا يدل دلالة قاطعة على القدرة التأثيرية والاحترام الدولي التي تحظى به المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله.

ربما ما لم يعرفه البعض أن هذه المناسبة أتاحت الفرصة أيضا للحوار الثقافي والفكري في قضايا الإرهاب والفكر المتطرف. فقد نظم منتدى الرياض لمكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب بإشراف مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وتحت رعاية التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، يوم الأحد في فندق الرياض إنتركونتيننتال اجتماعا حضره وشارك فيه العديد من الباحثين الدوليين والإعلاميين والسياسيين منهم آشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، د. بيتر نيومان المبعوث الخاص لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، د. إليزابيث كيندال كبيرة الباحثين في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أوكسفورد، ود. رضوان السيد المفكر المعروف. فعلى مدار أربع جلسات حوارية تنوعت المناقشات والمداخلات وتعددت المحاور التي ارتكزت من جهة على طرق معالجة الإرهاب إلكترونيا، وأهم المشاكل التي يواجهها الأمن العالمي ضد الإرهاب والتطرف، ومن جهة أخرى على الكشف عن الطرق التي تتبعها داعش على شبكة التواصل الاجتماعي في تجنيد العديد من الشباب سواء في العالم العربي أو الأوروبي.

وفي هذا الإطار لفت انتباهي ما طرحه جورج سلامة رئيس السياسات العامة والعلاقات الحكومية لشركة تويتر عن غياب تقنية ناجعة تحارب الإرهاب أو التطرف على الانترنت، بينما تحدث زميله د. شيراز ماهر نائب مدير المركز الدولي لدراسات التطرف بلندن عن مجموعة العوامل التي تفضي إلى استغلال الإرهابيين لشبكة التواصل الاجتماعي في بث الدعايات والتجنيد وتناقل المعلومات. أما وزير خارجية إيطاليا الأسبق فرانكو فراتيني فقد ركز على جملة من الأخطاء تتعلق بظاهرة الإرهاب ذاتها وقع فيها الغرب حين ربط الظاهرة بالدين الإسلامي، وحين عمل على تصدير الديمقراطية للدول العربية والإسلامية، وقد ألح على ضرورة خلق استراتيجية جديدة تقف ضد الإرهاب ترتكز على عدم الحوار مع الإرهابيين من جهة، وتدعو من جهة أخرى إلى انخراط حلف الناتو بفاعلية أكبر في محاربة هذه الظاهرة. لكن يمكن الإشارة بصورة عامة إلى أن المتحدثين جميعهم اتفقوا على نقطتين أساسيتين بوصفهما دعامتين لا يمكن تجاهلهما أو القفز فوقهما حين يتعلق الأمر بالقضاء على الإرهاب والتطرف. أولا محاربة الإيديولوجيا التي تقف وراءها، والثانية النظر إلى تجربة المملكة في محاربة الإرهاب كإحدى النماذج التعليمية التي لا غنى للدول عنها في هذا الإطار. وهذه حقيقة رغم تعدد طرق المعالجات والبيئة التي تنطلق منها.