آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

حرية الفن.. ونظرتنا إلى أين؟

الفنان علي الجشي *

لكل فن من الفنون حالاته المتفردة التي تميزه عن غيره من الفنون الأخرى، من حيث العدد والأدوات ووسائل التعبير ونوعية الخامات وتنوع المجالات، وتتصاعد جودة الفن من خلال المقاربات النقدية البناءة والتحليل الموضوعي والتقييم الهادف للأعمال النوعية التي مرت بمراحل النمو والتطور والرقي، والتي يصاحبها الوعي بمفاهيم الاحترام المتبادل بين المنجزين له كافة والمنتجين للفنون الأخرى.

فكل فنان مؤمن بقيمة فنه وبرسالة الفن الهادفة والسامية والتي تتمثل بالممارسة الدؤوبة والمكابدة المستمرة والجادة نتيجة تراكم السنين، فهنا ستتكون لديه قناعات خاصة ومتفردة منطلقاً من مبادئ يرتكز أساساً عليها من فكر التراث الفني الإنساني ومن النظريات المتعلقة بفلسفة الجمال ولغته «الإستاطيقا»، ومدعمًا بتطبيقاته الميدانية وخبراته المكتسبة المتعددة.

وقد تختلف أو تتشابه قناعات الفنان في نظرته للفن أو في أداء منجز غيره، وهذا التباين محمود ومطلوب ويعد أمرًا طبيعيًا وإيجابيًا، لأن حرية الرأي والنظرة الذاتية لكل فنان إذا كانت في حدود المنطق والمقبول ضمن الرؤية الفنية البحتة التي لا تتعدى الشخصنة أو التهجم الغير مبرر لمنجز الآخر تعد مرحبًا بها بجميع الأحوال.

وما أقسى أن تترك مساحة الرأي المنفلتة من عقالها في نقد الأعمال بالطرق غير المنضبطة والغير محببة والتي تحكمها المزاجية المتقلبة، البعيدة عن الرؤية النقدية العلمية الصحيحة، والمغلفة بالتجاوزات الغير مسموح بها من شدة اللفظ وغلظة الكلمات والعبارات المتشنجة، التي لا طائل منها إلا الهدم.

إن عالم الفن أجواؤه جميلة وآسرة، فهو يمتلك نظامًا وجدانيا حساسًا يجمع ويحرك كل ساكن في ألفة وتآلف، أما احتكار حرية الرأي لفنان ما معتد برأيه هو، ولا يرى غير ما يؤمن به هو فقط وغيره على ظلال، بل ويزيد الطين بلة فيلقي الكلام على عواهنه ذات اليمين وذات الشمال من قسوة في اللفظ المترادف بكلمات السخرية والاستهزاء والحط والاحتقار والازدراء، فهذا السلوك العدائي مع كل أسف سينتج حتمًا مجتمعًا فنيًا مهلهلًا مأزومًا نفسيًا مستنزفًا قدراته وإمكانيته في هدر وحراب، وعبثية لا طائل منها إلا البغضاء والتشتت والضياع.

معلوم لدينا بأن لكل فنان اتجاهاته ومدارسه وميوله الفنية، فالحريص من يقدم أفضل ما عنده بكل مودة وثقة بلا غرور ولا تعالي، والذي سيجعل منه سبيلًا للبحث والتنمية أكان فكريًا أم عمليًا وسيضرب به المثل، فالمصور الفوتوغرافي والمصور الرسام والخطاط المتمكن، وغيرهم ليسوا بالضرورة متشابهين في الأفكار والأدوات لكن قواسمهم المشتركة الاحترام المقدر بينهم وبين ما ينتجون، بتوجيه حرية الرأي بالمنفعة والتبادل الإيجابي وهي حجر الزاوية في ربط العلاقات وتقوية أواصرها للمؤمنين بجدوى الفنون وأهميتها.

نعم فحرية الرأي تبقى مكفولة في إطار الألفة والتقارب البناءة والمثمر، وهي من تخلق مجتمع فني خلاق متجاوز أي مفردات شاذة مهينة أو عبارات دخيلة، تنخر في جسد الجماعة وتفسد الأجواء الجامعة والناجعة إلى انفلات مدمر، هذه السلبيات الذي نعمل بكل إخلاص وجدية على التخلص منها، وكم يحزنني حين أشاهد عبر صفحات التواصل الاجتماعي بعض الآراء التي تدعي حرية الرأي في وصف عمل معين بأنه فن متخلف أو منحط أو قبيح والأقسى والأمر حين يصل الأمر ليشمل صاحب العمل، هنا المصيبة الأكبر!.

الفن بقيمه المثلى ضد الانفلات والانفعال الطائش أو الإقصاء والتهميش، هذه الأفعال إن سرت كما ذكرنا آنفاً ستجلب لنا الكثير من المتاعب والأذى والخسران.

أما اذا عرفنا الفن حق المعرفة ممارسة وسلوكا وأدركنا آفاقه الرحبة وزاولناه عن دراية عبر اتجاهاته ومدارسه المتعددة، فإننا سنمتلك لغة الحوار لفننا الراقي، عبر مسيرتنا التي نتمناها مخلصين سائرة بكل مودة وتقدير، سنمضي بها قدمًا إذا فهمنا أنفسنا واحترمنا أساليب بعضنا البعض عن قناعة ورضا، وقدرنا اتجاهاتنا المتنوعة في إطار التبادل القيم دون تعصب طرف على حساب طرف آخر، وإذا عرفنا بأن الفن هو حاجة إنسانية نبيلة ووسيلة تعبير صادقة وعيش مشترك بجمالياته المتعددة، كل هذا سيجعلنا ننشد مبتغانا ونرنو للنجاحات دومًا بتحقيق أفضل الإنجازات.

نائب رئيس جماعة الفن التشكيلي بالقطيف