ثقافة المبادئ
تمثل المبادئ علاقة فارقة للتفريق بين البشر في الحياة، فهناك شرائح اجتماعية تستخدم المبادئ، وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية، اذ سرعان ما تنقلب على شعاراتها، بمجرد الوصول الى المآرب الخاصة، مما يدفعها لـ ”الكفر“، بمجموعة القيم السابقة، وبالتالي، الانقلاب رأسا على عقب، بحركة دوران بمقدار 380 درجة.
فيما توجد أطراف اجتماعية، تتمسك بالمبادئ التي تحملها، وتتحمل في سبيلها الكثير من الأعباء، والمضايقات، نظرا لوجود معارضة قوية لتلك المبادئ، مما يدفعها - الفئات المعارضة - لاستخدام الأساليب الإعلامية، والحصار الاجتماعي، لاجبار حملة المبادئ، على تقديم بعض التنازلات، او المداهنة لتمرير بعض الأخطاء.
عملية التمسك بالمبادئ، ليست متاحة للجميع، خصوصا وان القضية مرتبطة بالقدرة، على مواجهة الضغوط الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، وبالتالي فان الإيمان الراسخ بصوابية المبادئ، ركيزة أساسية لمقاومة الضغوط، والإغراءات التي تعترض الطريق، خصوصا وان عملية استقطاب حملة المبادئ، تتطلب استخدام جميع الأساليب، من خلال تقديم العصا والجزرة ”الترغيب والترهيب“، فأسلوب الترهيب لا يؤثر في أصحاب المبادئ، بقدر ما يؤثر الترغيب، لاسيما وان بريق الذهب والفضة، يدفع البعض لتقديم بعض التنازلات.
امتلاك الشجاعة في مواجهة، مختلف أنواع الضغوط، يمثل عنصرا هاما في القدرة على الصمود، ”إني لا يخاف لدي المرسلون“، فالقدرة على التعبير عن المبادئ، عامل حاسم في مقاومة، مختلف أصناف المعارضة، خصوصا وان الشجاعة تحول دون تسلل الانهزام الداخلي للنفس، مما يشكل وقودا متجددا في الصمود، طيلة فترة الصراع الاجتماعي، لاسيما وان الجبن والخوف عدوان رئيسيان، في كسب الجولات في حلبة الصراع، من اجل الدفاع عن المبادئ.
توطيد النفس على تحمل الصعاب، امر بالغ الأهمية، في تجاوز الامتحان الاجتماعي الصعب، ”ما ضعف بدن عما قويت عليه النية“، فالإنسان بما يمتلك من قدرات هائلة، قادر على تحطيم كافة الأغلال، التي تعرقل مسيرته الإصلاحية في المجتمع، وبالتالي فان عملية التمسك بالمبادئ، تتطلب خطوات ذات علاقة بالذات البشرية، نظرا لوجود قوة كبرى باستطاعتها، لعب دور فاعل، في مواصلة المشوار حتى النهاية.
التاريخ يحفل بالكثير الصراع، بين حملة المبادئ والجهات المعارضة، حيث تفاوت قدرة الصمود بين شخصيات وأخرى، اذ استطاعت الأطراف المعارضة، اسكات أصحاب المبادئ، سواء بالتصفية الجسدية، او الحصول على تنازلات كبرى، بينما سجلت بعض الحقب التاريخية صمودا خارقا، في وجه مختلف العواصف الشديدة، التي حملتها جيوش المعارضة، الامر الذي انعكس إيجابيا على المحيط الاجتماعي، من خلال نشر تلك المبادئ، عوضا من سيطرة الفريق المعارض، على مفاصل القرار الاجتماعي.
الامام علي أعطى الجميع دروسا، في التمسك بالمبادئ من خلال رفض، جميع الحلول الوسط، او التعاطي بمبدأ الظرف السياسي، فقد عمد منذ الوهلة الأولى، لعزل بعض الولاة مثل معاوية بن ابي سفيان وغيرهم، الامر الذي ساهم في تزايد الأعداء، مما دفعه للقول ”ما ترك لي الحق من صاحب“.