آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 4:00 م

فلسطين بين إضراب الأسرى وحل الدولتين

يوسف مكي * صحيفة الوطن

الظروف الحالية التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وعلى رأسها الإضراب الفلسطيني الشامل عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي تمثل بيئة مناسبة لتحقيق المصالحة بين رام الله وغزة

حدثان بارزان أخذا مكانهما على الساحة الفلسطينية. الأول هو إضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي عن الطعام، والذي يكون قد مضى عليه شهر كامل مع نشر هذه المقالة.

أما الحدث الآخر، فهو صدور وثيقة سياسية جديدة عن حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، تعتبر مغادرة عن فكرها السياسي القديم، المتمسك بتحرير كل فلسطين، وانتقال إلى القبول بدولة فلسطينية مستقلة، على الأراضي التي احتلها الكيان الصهيوني في حرب يونيو عام 1967، وتحديدا على الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد تزامن هذا الانتقال الاستراتيجي لموقف حماس بانتخابات جديدة، نتج عنها خروج السيد خالد مشعل من زعامة الحركة، وانتخاب السيد إسماعيل هنية بديلا عنه، مع تغيرات أخرى في الأسماء المعروفة بقيادة حماس.

ما علاقة الحدثين: الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، وتغيير موقف فتح، ببعضهما على الصعيد السياسي والكفاحي، أو على صعيد تحقيق المصالحة الفلسطينية؟

يجدر التنبه في سياق الإجابة عن هذه الأسئلة إلى أننا نتحدث عن حركة حماس، بوصفها الفصيل السياسي الثاني الأقوى على الساحة الفلسطينية بعد حركة فتح. بل إنها بعد انتفاضة القدس الشريف، في مطالع هذا القرن، اكتسحت الشارع الفلسطيني، وتمكنت من حصد غالبية الأصوات في المجلس التشريعي، بما هيأ لها استلام رئاسته وتوجيه قراراته بما يتسق مع سياساتها.

وتاريخيا، فإن المبرر الأهم الذي تطرحه حركة حماس لرفض المصالحة مع السلطة الفلسطينية في رام الله، هو رفضها التخلي عن تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر. وأنها تعارض تحرير جزء من فلسطين التاريخية وإقامة دولة مستقلة فوق ترابه، لأن ذلك سيترتب عليه الاعتراف بدولة الكيان الغاصب، ضمن الأراضي التي احتلها في نكبة فلسطين عام 1948.

بمعنى آخر، تنفي وثيقة حماس الجديدة، التي أقرها مؤتمر حماس العام، السبب الرئيسي المعلن للصراع بين فتح وحماس، فكليهما، وفقا للوثيقة الجديدة، ركب قارب التسوية، وإن كان لحركة فتح سبق المبادرة في هذا الاتجاه.

ولن يغير كثيرا من واقع الحال، تعلل قيادة حماس بأن هذه الوثيقة لا تعني التنازل عن الحقوق في فلسطين التاريخية. وأن قيام دولة فلسطينية في القطاع والضفة سيجعل للمقاومة قواعد آمنة تنطلق منها لتحرير بقية الأراضي الفلسطينية. فمثل هذا القول صدر عن المرحوم الرئيس ياسر عرفات، الذي اعتبر منذ نهاية حرب أكتوبر عام 1973، القبول بدولة فلسطينية على البقية الباقية منها، هو مجرد مرحلة انتقالية، وصياغة أرضية راسخة للانتقال لتحرير كل فلسطين.

طبيعي أن من الوهم التصور بأن العدو سيتنازل عن شبر واحد من فلسطين من دون مقابل سياسي. بل إن الأحداث التي جرت خلال أربعة العقود الماضية، أكدت بما لا يقبل شكا أو جدلا، أن الصهاينة يطالبون الفلسطينيين بالمزيد من التنازلات ولا يقدمون أي تنازلات لصالح إنجاح التسوية السلمية.

ما يحدث الآن على الأرض الفلسطينية هو تآكل بالجملة والتفصيل لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. فلم يتبق من الأرضي المفترض قيام الدولة المرتقبة فوق ترابها، سوى 48% فقط. والباقي صودر في صيغة مستوطنات صهيونية بالضفة والقطاع، وأيضا في صيغة ممرات عبور وجدران عازلة.

أما القدس الشريف التي أكدت مجمل أدبيات منظمة التحرير الفلسطينية على أنها العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المرتقبة، فقد جرى تهويد هذه المدينة المقدسة، وأكد العدو على أن هذه المدينة هي العاصمة الأبدية للكيان الغاصب، والأنكى من ذلك، أن العدو ضاعف من تهويد هذه المدينة عدة مرات، على حساب أراضي الضفة الغربية.

من وجهة نظرنا، فإن الظروف الحالية التي تشهدها الساحة الفلسطينية، وعلى رأسها الإضراب الفلسطيني الشامل عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي تمثل بيئة مناسبة لتحقيق المصالحة بين رام الله وغزة.

لقد بدأ الإضراب عن الطعام في سجون الاحتلال بقيادات وكوادر فتحية، الأبرز بينها إضراب القيادي في حركة فتح المناضل مروان البرغوثي المعتقل منذ بداية هذا القرن. ثم ما لبث السجناء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعلى رأسها السيد أحمد سعدات، وسجناء حركة المقاومة الإسلامية حماس، أن التحقوا بالإضراب، ومن ثم ليتحول الإضراب عن الطعام إلى ظاهرة شاملة في جميع السجون الإسرائيلية.

إن المعاناة المشتركة للفلسطينيين في سجون الاحتلال والتحولات السياسية في البرنامج السياسي لحركة حماس، تمثلان قاعدتين مشتركتين بين سلطتي رام الله وغزة، بهدف تحقيق المصالحة الفلسطينية، ووحدة الشطرين: الضفة الغربية وقطاع غزة. وليس مقبولا أبدا، من قبل الفلسطينيين أو المناصرين لقضيتهم العادلة أن يستمر الانقسام، والصراع على وهم السلطة، طالما أنهم يقفون في خندق سياسي واحد وأرض مشتركة، هي القبول بدولة فلسطينية مستقلة واحدة على أراضي الضفة والقطاع، وطالما هم أيضا يناضلون سويا ببطونهم الخاوية ضد عنصرية الاحتلال وبطشه وجبروته.

حان الوقت لتصليب الموقف الفلسطيني وطي صفحة داحس والغبراء والالتقاء على الثوابت الفلسطينية المتوافق عليها في حدودها الدنيا: دولة فلسطينية كاملة السيادة، ورفض تهويد المدينة المقدسة واعتبارها عاصمة الدولة الفلسطينية، وعدم المساس بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. وطريق تحقيق ذلك، الطريق الذي لا جدال عليه هو توحيد الموقف وإستراتيجية النضال الفلسطيني.