ثقافة الإرادة
يمتلك الانسان قدرة هائلة يصعب تصورها، اذ بامكانه خلق الظروف المناسبة، للقيام بالاعمال الصعبة، حيث تمثل الإرادة السلاح السحري، القادر على تحويل الفشل الى نجاح، الامر الذي يفسر انقلاب بعض المجتمعات رأسا على عقب، في غضون عقود قليلة.
المرء باعتباره جزء لا يتجزأ من المجتمع، فانه يمثل عنصرا رئيسيا، في بث روح الإرادة، في المحيط الاجتماعي، مما يخلق مناخا واسعا، وتكريس ثقافة بديلة عن النظرة السلبية، والشعور بالفشل، بمعنى اخر، فان امتلاك روح التمرد على الواقع عنصر أساسي، للانطلاق بقوة نحو مستقبل مغاير تماما عن الوضع الراهن، فالإنسان كيان مؤهل لأحداث ثورة حقيقة، لرفض الواقع الانهزامي، وبالتالي فان عملية النهوض من تحت الركام، تنطلق من الذات بالدرجة الأولى، والتحفيز المستمر من البيئة الاجتماعية، من الدرجة الثانية.
عملية التمسك بعوامل النجاح، ونفض غبار الفشل، تتطلب وضع الأسس، والطرق السليمة، لاختيار الطريق الصائب، فالرغبة في عنصر واحد، ضمن مجموعة عوامل، تتطلب السهر، ووضع الخطط، والتحرك الجاد، لترجمة الأهداف على ارض الواقع، خصوصا وان العمل يمثل التحدي الحقيقي، لخلق الظروف المناسبة، لأحداث تغييرات جوهرية، في مسيرة المجتمع.
لا ريب ان امتلاك ثقافة الصمود، وعدم الاستسلام للواقع البائس، خطوة أساسية للانطلاق، في سماء التقدم والرقي، فالمجتمع الذي يرضخ للواقع المر، ويرفع الراية البيضاء، سيتحمل تبعات ثقافة الاستسلام، سواء في المرحلة الراهنة، او المراحل اللاحقة، اذ سيكون عالة على الآخرين، وينتظر الفتات من المجتمعات المتقدمة، مما يفقده إستقلالية القرار، والرضوخ للمساومات، القادمة من وراء الحدود.
تحدث الإرادة المجتمعية، انقلابا جذريا في جميع المفاصل الحياتية، فالعملية لا تقتصر على جانب دون اخر، فالتحرك الجماعي باتجاه الهدف المشترك، يحدث تموجات عديدة في بنية الثقافة السائدة، على مختلف الأصعدة، مما يسهم في وضع أسس ثقافية جديدة، ترفض المبادئ السابقة، نظرا لإدراك الجميع أهمية التمسك بارهاصات، الثقافية الداعية لنفض غبار النظرة الانهزامية، انطلاقا من قاعدة ”ما ضعف بدن عما قويت عليه النية“.
التجربة الألمانية واليابانية في العصر الحديث، تمثال مثالا حيّا لقدرة المجتمعات على التغلب، على نكبات العصر، واجبار الآخرين على احترامه، فالدولتان خرجتا من الحرب العالمية مهزومتان، ولا تمتلكان لا قرارهما السياسي، نظرا للسيطرة الامريكية على القرار السياسي، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة، بيد ان الشعوب في اليابان وألمانيا كانت لهما كلمة أخرى، الامر الذي انعكس على صورة تقدم علمي، وتكنولوجي هائل، بحيث تحولتا «اليابان - ألمانيا» الى عملاقين اقتصاديين على المستوى العالمي، وذلك في غضون عقود قليلة، بعد خروجهما مهزومين من الحرب.