آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 11:58 م

أمة حول الحسين

حسين نوح المشامع

قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ «109» التوبة.

قيل شعرا:

يَا لك مِن قُنْبرَةٍ بمَعْمَرٍ

خَلا لَكِ البَرِّ فبيضي واصْفِرِي

ونَقّري مَا شِئْتِ أَنْ تنقري «*»

لتسجيل وقائع حلقتنا العشرين كان اجتماعنا في أوائل شهر شعبان، شهر رسول الله ﷺ، شهر الصيام والقيام. وكما اعتدنا مع دخول فصل

الصيف الشديد الحرارة والعالي الرطوبة، كان جلوسنا في صالة البيت، تحت مكيفة الهواء. وإكمالا للدور الذي بدأناه في الحلقات السابقة فإن قيادة

هذه الحلقة تكون تحت إدارة الحاجة أم الأولاد.

شاكرا يا حاج. وإتماما لما بدأته إبنتنا الغالية في الحلقة السابقة، عن أفكار الناس حول الإمام الحسين ، تكون حلقتنا هذه امتدادا لتلك، ولكن مع نوعية أخرى من الناس الذين عاصروا الإمام الحسين .

من بهؤلاء يا حاجة؟؟

الناس الذين كانوا يشجعون الإمام الحسين على الذهاب إلى العراق والالتحاق بشيعته هناك، مع علمهم المؤكد بما ينطوي عليه ذهابه من أخطار، لا حبا فيه ولا محبة في إنقاذ الأمة من براثن الأمويين، ولكن لتخلوا لهم الساحة وليتمكنوا من الوصول إلى مآربهم، ولان وجوده الشريف في مكة المكرمة أو المدينة المنورة كان يعكر عليهم صفو إتمامهم لمشروعهم، ولأنهم لا يمتلكون المؤهلات الروحية والمكانة الاجتماعية التي كان يتحلى بها أبا عبدالله بين المسلمين.

بعد هذه اللمحة المختصرة عن هؤلاء، هل بالإمكان إعطائنا لمحة تاريخية عنهم، يا والدتي؟

لقد كان هؤلاء أبناء المسلمين الأوائل الذين دافعوا عن الإسلام بسيوفهم وأنفسهم، بل كانوا يدافعون عن أهل البيت وبالخصوص عن أمير المؤمنين ، إبان حياة رسول الله ﷺ، وبعد مماته بقليل، حتى قورب أن يعدوا من أهل البيت، لولا أن ولد لهم من يؤثر فيهم ويحرف مسارهم. وعندما وصل أمير المؤمنين إلى سدة الخلافة الإسلامية ظهر الجمر الذي كان خادرا تحت الرماد، واشتعلت نارا عظيمة كادت تحرق ما حولها، لأن أمير المؤمنين امتنع عن تمكينهم من إمارة الولايات، لعلمه بما تنطوي عليه نفوسهم.

وبعد وصول يزيد بن معاوية إلى قيادة الخلافة الإسلامية ماذا فعل هؤلاء يا أمي الغالية؟

وعند وصول يزيد بن معاوية إلى سدة خلافة المسلمين خرج أبناء أولئك في موازاة الإمام الحسين ثائرين ناقمين على الأمويين يحثون الناس على محاربتهم.

وهل فعلا كان عندهم النية لمحاربة الأمويين وإرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح، يا حاجة؟؟

بل خلفوا أبائهم في طلب الحكم، ولكن الفرق هو وصول هؤلاء إلى سدة الحكم والمبايعة لهم بخلافة المسلمين وجباية الأموال، وكانت لهم دولة قوية عظيمة. فأصبحوا شوكة في عيون بني أمية، لم تقلع ويقضى عليها نهائيا، إلا على يد الحجاج بن يوسف الثقفي في عهد عبدالملك بن مروان، بعد أن رميت الكعبة بالمنجنيق.

لقد نصح هؤلاء الإمام الحسين باللحاق بالعراق لأنهم شيعته وشيعة أبيه وأخيه من قبله، فهل كانوا محقين في أقوالهم تلك، يا أمي؟؟!

جواب هذا السؤال جاء في كتاب - المسور بن مخرمة - احد رجالاتهم وسواعدهم المناوأة للأمويين، إلى الإمام الحسين : إيّاك أن تغتر بكتب أهل العراق، ويقول لك أبناء فلان: الْحَق بهم فإنّهم ناصروك، لكن إيّاك أن تبرح الحرم، فإنّهم إن كانت لهم بك حاجة فسيضربون آباط الإبل حتى يوافوك، فتخرج في قوة وعدة

الآن ما هو الفرق بين توجه هؤلاء ورؤية الإمام الحسين يا والدتي؟

الفرق أن الحسين كما قلنا سابقا يريد إعادة بناء امة جده رسول الله ، بل إعادتها إلى المدرسة الإسلامية، تصديقا لقول الإمام أبوحنيفة النعمان: «لولا السنتان لهلك النعمان». أما الثائرون هؤلاء فلا هدف لهم إلا الوصول إلى الحكم، ويستغلون لذلك كل الوسائل ولو كانت غير إنسانية، ناهيك أن تكون غير شرعية. لذا تراهم عند وصلوهم إلى سدة الحكم، حاولوا إحراق بني هاشم، بل كانوا لا يصلون على النبي ﷺ مخافة أن يشمخ بني هاشم بأنوفهم، بل قتلوا كل من استسلم لهم من جيش المختار الثقفي بعد التغلب عليهم.

علمنا ذلك وكان واضحا، ولكن ما هو الفرق بينهم وبين حكومة بني أمية فكلاهما طالب للحكم، يا سيدتي؟؟

الفرق أن الأمويين بنو امة على مقاسهم وباسمهم ولكن باستغلال الإسلام وما جاء به رسول الله ﷺ من أحكام سترا وغطاء، ولكن بعد تحريفها. أما الثوار هؤلاء أقاموا بناء حكمهم على مقاسهم، ولم يبنوا امة، ولم تكن لديهم أفكار ورؤى يستندون عليها.

ما هي النتيجة الحتمية التي وصل إليها كلا الفريقين، يا أمي؟؟

النتيجة الحتمية التي وصل إليها كل من بني أمية، وهؤلاء الثوار المغامرون طالب الحكم، أن حكومة بني أمية عاشت فترة من الزمن لم تزد لأكثر من ألف شهر كما أخبر بذلك القران الكريم في سورة القدر: «إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر»، رغم قوتهم وعنفوانهم.

أولا: لأنها لم تكن دولة امة تسعى لتحقيق طموحاتها وتطلعاتها، بل هي دولة مجموعة محددة تسعى للتسلط والتحكم في مقدرات بقية الأمة.

ثانيا: كانت تسعى إلى تحقيق تلك الأمنية بالتضحية بالغالي والنفيس، وبسفك الدماء الطاهرة الحرام، بل بعرض رسول الله ﷺ بوجه مخالف لصفته في كتاب رب العالمين، حتى أصبح بشخصيتين مختلفتين متضادتين.

أما ثوارنا طالبي الحكم ورغم قوتهم وتمددهم وانتشارهم عبر المناطق التي كانت تحت الحكم الأموي، لم يدم حكمهم كثيرا وسرعان ما انتهى وتبدد، بل وصل بهم الحال أن التحق احد إخوتهم واحد أركان تلك دولتهم، ليبيع إخوته وليكون احد أركان دولة بني أمية. بل لم يعد لتلك الدولة اثر ليس في الواقع المعاش، بل لم يعد لها اثر في عقول وقلوب ضعفاء الناس، بل لم يعد لها اثر في عقول الكتاب والمثقفين، كأنها لم تكن ولم ترى النور.

نحن نعرف نتيجة ما قام به الإمام الحسين ، ولكن نحب أن نسمعه منك لنزداد إيمان ويقينا، يا أمي!!

أما أمامنا الحسين الذي لم يبايعه احد بخلافة المسلمين، ولم تجبى له الأموال، عدا من بايعوا ابن عمه - مسلم ابن عقيل - في العراق، بل إن بعض أولئك المبايعون انقلب على عقبيه والتحق بعدوه، كما لم تقم له دولة يعتد بها، ولم تجبى له الأموال، لكن ذكره بعد تصفية جسده الشريف وتصفية من التحق به، وسبي نساءه وتشريد أطفاله في عام ستين للهجرة، لا يزال تلهج به امة مليونية من ذلك العام إلى يومنا هذا. وذلك لأنه قد عزم على إعادة بناء امة جده ﷺ، طبقا لقوانين وأحكام الإسلام الحق الصحيح الغير محرف.

الآن نريد أن نعرف لماذا أخفيت عنا اسم هذه الدولة وهذه الحكومة، يا حاجة؟؟!!

أخفيتها عنكم كيما أجعلكم تفكرون بجد من خلال الدلالات والخيوط التي قدمتها لكم خلال البحث، فمن هم؟؟!!

هل هي: حكومة عبدالله ابن الزبير وأخوته، يا أمي؟!

نعم هي كذلك يا قرت عيني.

بهذا تكون حلقة اليوم قد وصلت إلى غايتها، ونحن بانتظار من سيتولى إدارة الحلقة القادمة، أليس كذلك يا حاج!!

* «ديمو تاريخ الرسول المصطفى ﷺ والحسين » باسم الحلي