آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:07 ص

ثقافة الرقابة

محمد أحمد التاروتي *

تحمل المسؤولية دافع قوي، لتحريك الضمير باتجاه تصويب، او معالجة بعض المشاكل الاجتماعية، فعدم التغاضي على الاخطاء يسهم في تنظيف المجتمع من المشاكل، خصوصا وان السكوت او عدم التحرك الايجابي، يفاقم المشاكل ويحول دون القدرة على اقتلاعها، من جذورها بشكل نهائي، ”الساكت عن الحق شيطان اخرس“.

الرغبة في القيام بالدور الرقابي، عنصر اساسي في الانطلاق، بقوة للخوض في بحر المشاكل الاجتماعية، فالإرادة والتصميم عوامل اساسية، لمواصلة المشوار الصعب، خصوصا وان الدور الرقابي يواجه في الغالب بردود افعال عنيفة، ورافضة في الغالب، مما يستدعي امتلاك الصدر الواسع، لاستيعاب جميع المواقف الغاضبة ومختلف الصدمات، لاسيما وان تفهم الاهداف النبيلة يتطلب فترة زمنية، تبعا لقابلة الطرف المقابل، فهناك بعض الملفات تتطلب فترة زمنية طويلة، للحصول على النتائج المرجوة، فيما لا تحتاج ملفات اخرى سوى لبرهة زمنية قصيرة.

بث ثقافة الرقابة في المجتمع عنصر ايجابي، فالنظرة السلبية تسهم في تدمير اركان المجتمع، فالمشاكل تبدأ في الغالب من خلافات صغيرة، ولكنها سرعان ما تتسع، وتصبح ورما خبيثا، يصعب السيطرة عليها، وبالتالي فان محاولة القضاء على تلك الخلافات، يستدعي التدخل في الوقت المناسب، مما يتطلب وضع ثقافة مسؤولة قادرة، على تحفيز المجتمع بالاتجاه الايجابي والقضاء على النظرة السلبية، او التغاضي عن المشاكل، على قاعدة ”الباب إليّ يجي منه الريح سده واستريح“.

عملية المراقبة او محاولة تصحيح الاعوجاج، تتطلب اليات وطرق متعددة، خصوصا وان استخدام الطرق العنيفة، تؤدي الى نتائج عكسية ﴿فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، كما انتهاج مسلك الليونية التامة لا يؤدي الغرض المرجو ”حزم في لين“، بمعنى اخر، فان كل مشكلة بحاجة الى وسيلة لمعالجتها تبعا لحجمها، وكذلك دراسة مختلف الظروف المحيطة، من اجل الوصول الى الحلول المناسبة، دون الاضرار بأحد الاطراف المتشابكة، فالموقف المحايد والناصر للحق، يشكل علامة فارقة في اغلب الأوقات.

اختيار الطريقة المناسبة، والظرف المناسب، عوامل هامة في تطويق المشاكل على اختلافها، اذ من الصعب استنساخ بعض التجارب السابقة على الدوام، نظرا لاختلاف ظروف وعناصر كل قضية، مما يتطلب وضع هذه الأمور الحسبان دائما، ”لكل زمان دولة ورجال“، بمعنى اخر، فان الانخراط في حلحلة القضايا القائمة، يستدعي البحث عن الاسباب، والوقوف على المفاصل الحقيقية، واقطاب القوة، مما يسهم في تجسير هوة الخلافات، بشكل تدريجي، للوصول الى انهاء الخلافات بشكل كامل، فالعملية تتطلب صبرا طويلا، وجلد كبير وقدرة كبيرة، على امتصاص النظرة الانية الضيقة.

الدعوة للمراقبة، ليست مدعاة للتدخل المباشر في الخصوصيات، او محاولة التسلط على الرقاب، بقدر ما تهدف لانتشال المجتمع من الحضيض والارتقاء نحو الأعلى عبر تصفية القلوب وإغلاق الملفات المؤلمة والمفتوحة، فالعملية مرتبطة قابلية مختلف الاطراف، لاسيما وان الغرض من التدخل ”الاصلاح“ وازالة اسباب التوتر والخلاف داخل البيئة الاجتماعية الواحدة، ﴿انْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ، بمعنى اخر، فان عملية الرقابة مرتبطة بهدف سامي ونبيل، وليست لغرض ارضاء الذات والوجاهة الاجتماعية، مما يستدعي وضع جميع الاحتمالات على الطاولة، من اجل الوصول الى الهدف الاسمى في نهاية المطاف.

كاتب صحفي