العصمة في محراب فاطمة
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله وكفى، وصلى الله وسلم على حبيبه المصطفى، وعلى آله النجباء.
في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: «أكثروا من الصلاة عليّ في الليلة الغراء واليوم الأزهر» [1] ، أي ليلة الجمعة ويوم الجمعة.
نظرة في العصمة:
وفي الحديث الشريف عن النبي الأعظم ﷺ: «فاطمة بضعة مني، من سرها فقد سرني، ومن ساءها فقد ساءني. فاطمة أعز البرية عليّ» [2] .
هذا الحديث الشريف يدفعنا للبحث حول عنوان هام، ألا وهو العصمة، والعصمة كمفهوم انفردت به مدرسة الإمامية من بين سائر المدراس الإسلامية ورتبت عليه الآثار.
فما هي العصمة في القرآن واللغة والحديث والاصطلاح؟ إنها مواطن متعددة سلطت الضوء على هذا المفهوم المقدس.
والحديث الشريف الذي ذكرته لم يستخدم المفردة في مادتها ولا هيئتها، إلا أنه جاء بما يؤدي ذلك المعنى، فنحن لا نتصور الرضا المطلق للنبي ﷺ بإرضاء الزهراء إلا من خلال هذا المفهوم، كما نفهم كون الإساءة إليها إساءة للنبي ﷺ من خلال هذا النص الشريف الذي شرفنا به أسماعنا.
وتبقى الزهراء عند النبي ﷺ هي الأفضل. وهنا يضع النبي ﷺ حداً مبكراً في وجه أولئك الذين يحاولون أن يقايسوا بين نساء عشن في هذا الوجود وبين عظمة الزهراء .
والآيات الشريفة أكدت العصمة مادةً وهيئة، وقد استخدمها القرآن الكريم في أكثر من موقع وموقع، غاية ما في الأمر أن هنالك معاني كثيرة تتولد من خلال السياق الذي وظفت فيه تلك المفردة.
فمن الآيات الشريفة قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾[3] . بمعنى التجئوا إلى الله تعالى في طاعته والوفاء بعهده، فمن أطاع الله عصم نفسه، وإذا اجتمع الأفراد الذين عصموا أنفسهم بطاعة الله، تشكل منهم مجتمع معصوم، ثم ينبثق عنهم أمة معصومة، فإذا تشكلت الأمة وتقلبت في أدوار عصمتها نتيجة الاستجابة لخطاب الله سبحانه وتعالى، والوفاء بعهده، ارتقت وتقدمت في جميع ميادين حياتها. وأنا وأنت والآخر لو رمينا بطرفنا ذات اليمين وذات الشمال ساعدنا ذلك على تشخيص الحال، ووضع اليد على المصداق المتكثر خارجاً.
فعندما توفي المرجع الكبير السيد أحمد الخوانساري «قدس سره الشريف» جاء بعضهم يتقرب من الإمام الخميني «قدس سره» ليسأل ويستكشف عن حاله من حيث العدالة، فقال السيد الإمام رضوان الله تعالى عليه: سلوني عن عصمته لا عن عدالته. فهذه العصمة الاكتسابية مشروع عام، ومتى ما التزم الإنسان بالنهج السماوي ووفى العهد فيه، وصل إلى تلك المساحة.
ونحن أتباع مدرسة أهل البيت يسهل علينا استيعاب أن السيدة الحوراء زينب معصومة، وأن العباس معصوم، لأنها لا تعني في ما تعني أكثر من كون من يتصف بتلك الصفة إنما اتصف بها من خلال الاكتساب والاعتصام بالله سبحانه وتعالى.
ويقدم لنا القرآن الكريم العصمة في مسار آخر في خطابه للنبي ﷺ في يوم البيعة لعلي في غدير خم فيقول: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[4] . بمعنى يحفظك منهم ويمنعهم عنك فلا يصلون إليك بسوء. فالعصمة هنا بمعنى الحاجز والمانع من تسلل الآخر إلى داخل ما يراد أن يؤمّن.
وبناءً على هذه الآية تكون عصمة الله لعبده معناها العصمة من الوقوع في الذنب، أما في النبي ﷺ فمعناها الدفع عنه في مقابل المشركين والمنافقين بالدرجة الأولى، لأن المشرك يتسلل في كثير من الأحيان بناءً على الفجوات التي يتركها المنافق، فهو في العنوان الظاهر مسلم، ولكن تطارده صفة النفاق في الباطن، فيلج المشرك من خلال تلك الفجوة إلى الصف الإسلامي، كما حصل في معركة أحد، كأجلى مصاديق ترك الثغرات، إذ تسلل المشركون إلى الصف الإسلامي من خلال تلك الثغرات وأوقعوا وقيعتهم. فكانت الخسارة كبيرة، لأن المسلمين هُزموا هزيمة نكراء، ولم يبق مع النبي ﷺ سوى نفر يسير حتى اضطر أن يستخدم السف بنفسه، حتى ضُرب على رباعيته، أي أصيبت أسنانه الأمامية.
وبالنتيجة أن الله سبحانه وتعالى يمكن أن يتدخل من أجلي وأجلك، فيوجِد فينا قوة دافعة عن ارتكاب المعصية، وهذا مكسب كبير.
أما الاعتصام بغير الله فلا شك أنه يؤدي إلى العكس تماماً، والأمور إنما تعرف بأضدادها، وقد قيل لأمير المؤمنين ذات مرة: «صف لنا العاقل، قال: هو الذي يضع الشيء مواضعه. فقيل: فصف لنا الجاهل، قال: قد فعلت» [5] . فهناك ضرب من ضروب التلازم بين المتضادين، فإن حصل أحدهما انتفى الآخر، ومن هنا إذا أدركنا حقيقة الاعتصام بالله وآثار ذلك، أدركنا في الوقت نفسه انعكاسات عدم الاعتصام، والعكس صحيح.
يقول الإمام الصادق : «أوحى الله عز وجل إلى داود : ما اعتصم بي عبدٌ من عبادي دون أحدٍ من خلقي، عرفت ذلك من نيته، ثم تكيده السماوات والأرض ومن فيهن، إلا جعلت له المخرج من بينهن. وما اعتصم عبدٌ من عبادي بأحدٍ من خلقي عرفتُ ذلك من نيته، إلا قطعت أسباب السماوات والأرض من يديه، وأسَخْتُ الأرض من تحته ولم أبالِ بأيِّ وادٍ هلك» [6] .
فبيننا وبين السماء والأرض أسباب كثيرة، كالدعاء والصلاة والعبادة والتعلق بالأنبياء وغير ذلك، فتتعرقل الحركة. وكذلك تسيخ الأرض من تحته، فلا يكون له ملاذ آمنٌ فيها. فالملاذ الأول والأخير الذي يعتصم به وتطلب القوة منه والمساندة والعون هو الله سبحانه وتعالى. والنتيجة في الاعتصام بغير الله وطلب الاعتصام منه هي الخسران المبين دون أدنى شك.
وفي دعاء كميل: «اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم». والعصم جمع عصمة، والعصمة من الله سبحانه وتعالى.
والإمام الصادق يبين لنا مؤدى هذه المفردة أو المركب الصغير في تكوينه، والكبير في جوهره ومعناه. فنحن نقرأ في كل جمعة في دعاء كميل استعراضاً لهذه المقاطع، ولكن هل تستوقفنا هذه المقاطع؟ وهل نطرق أبواب العمق فيها؟ كثير منا يقرأ الأدعية أو القرآن الكريم أو النهج أو كتب الزيارات، إلا أنه لا يتوقف أو يترك لنفسه مساحة في أن يتوقف ولو قليلاً.
أيها الأحبة: إعمال الفكر أهم بكثير من أداء الطقوس العبادية، مع ما لها من الأهمية والأجر، وهذا لا يعني أن يترك الإنسان الطقس الديني، فأحياناً يتصف الطقس بالوجوب اللازم الذي لا يعذر بتركه، وقد يكون مستحباً، وقد ينزل إلى مستوى العادة والممارسة التي لا تتصف بعنوان القربة. فالذي يوجد الفاصلة بين هذه المحاور الثلاثة هو حركة العقل. لذلك يقول أهل البيت : «تفكر ساعة خير من قيام ليلة» [7] . فعندما يرمق أحدنا السماء بطرفه في ليلة صافية، ويتأمل في حركة النجوم والكواكب من حوله، لا سيما في هذه الأيام بوجود الوسائل والمعدات التي تساعد على هذا المعنى سيجد أنه في عالم مختلف عن الدائرة التي هو فيها، فدائرته عبارة عن أسرة وبيت ودائرة وعمل وزمالة واستراحة وأمثال ذلك، أما عالم التأمل فهو مختلف تماماً عن ذلك.
يقول الإمام زين العابدين في الذنوب التي تهتك العصم: «والذنوب التي تهتك العصم شُرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطي ما يُضحك الناس من اللغو والمِزاح، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الرَّيب» [8] . وتعاطي ما يضحك الناس ليس على إطلاقه، ففي بعض الروايات هناك استحباب في إدخال السرور على المؤمن، ومن مصاديق إدخال السرور أن يُضحك المؤمن أخاه، فالمقصود هنا الإضحاك بالباطل والحرام.
فهناك من يريد إدخال السرور على المؤمن، لكنه يرتكب المحرم، كأن يجعل من شخصية بعض المؤمنين موضعاً للتندر ليُضحك الآخرين، لأن ذلك المؤمن الغائب مثلاً كان مبتلى في جسده بعاهة أو شيء من خلقته، وهو ابتلاء وامتحان، وليس مورداً للتندر وتقليل القيمة والسخرية. فربما يكون ذلك المؤمن أفضل عند الله مني ومنك، والفيصل القيامة والحساب. فهناك الكثير من أصحاب العناوين البراقة التي نراها في الدنيا ونعجب بها ونتصور أنهم يشفعون لنا يوم القيامة، فهذا إمام جماعة وذاك رجل دين وهكذا، إلا أنهم ربما كانوا أحوج الناس للشفاعة والمغفرة.
ورد في الحديث الشريف عن علي : «إن الله أخفى وليه في عباده فلا تستصغروا شيئاً من عباده، فربما كان وليه وأنت لا تعلم» [9] . فالولي لا يشخص من خلال الظاهر، فليس الدين بالمظاهر، إنما هو بالقلب السليم النظيف الذي ينبض بالإيمان والمحبة للمؤمنين وهذا لا يعرف إلا في يوم القيامة.
ومن الذنوب التي تهتك العصم ذكر عيوب الناس أيضاً، فهو مما يوجب هتك العصمة ورفع اليد من قبل الله تعالى، وقطع الأسباب بينك وبينه، وإساخة الأرض من تحته. فترى أنه يتكئ على أموال فتضيع منه، أو أولاد فيتفرقون عنه، أو أصحاب فلا ينفعونه، وهكذا يتعرض للخذلان من الله سبحانه وتعالى.
يقول أحد العرفاء ممن تشرفنا بخدمته في قم المقدسة: إن الله تعالى عندما أوكل للملكين مراقبة الإنسان، أخذ عليهما العهد أن لا يُطلعَ أحدُهما الآخر على ما اطلع عليه من أمر عبده!.
ومن معاني العصمة أن المعصوم يتحقق له الامتناع عن جميع المحرمات. عن الإمام السجاد قال: «الإمام منّا لا يكون إلا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلا منصوصاً. فقيل له: يا ابن رسول الله فما معنى المعصوم؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة، والإمام يهدي إلى القرآن، والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول الله عز وجل ﴿إِنّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[10] » [11] .
فليس في الوجود من هو معتصم بالقرآن أكثر من محمد وآل محمد.
أما معتقد الإمامية في العصمة، ووصفهم للزهراء والأئمة بالعصمة، وكذلك وصفهم زينب وأمثالها من آل البيت بالعصمة من النوع الثاني، فهو يدور حول قسمين من أقسامها: عصمة كبرى، وعصمة صغرى، فالعصمة الكبرى لمن خُصَّ بها تكويناً، وصغرى اكتسابية، فمن يروّض نفسه ويبتعد عن الحرام ويلتزم أداء الواجب فيكون معصوماً، وهناك نماذج من العلماء عشناها كانوا يجسدون العصمة من النوع الثاني، كالسيد الإمام الخميني «قدس سره» فهو مصداق واضح جلي بيّن للعصمة الاكتسابية في أقواله وأفعاله وصبره وتحمله وتضحيته وشخوص المفاهيم عنده.
وقد عَرّف علماؤنا العصمة في باب العقيدة بالكثير من التعاريف، يقول الشيخ الصدوق: «اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة أنهم معصومون، مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنباً لا صغيراً ولا كبيراً، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم» [12] .
إننا نجد اليوم من ينفي عنهم العصمة، حتى ممن هم محسوبون علينا وفي أوساطنا، إما عن جهل أو ترصد أو انخداع أو غير ذلك.
فالعصمة هي قوة العقل من حيث لا يُغلب، مع كونه قادراً على المعصية. فليس معناها أن يكون المعصوم مجبوراً على فعل هذا وترك ذاك، ولكن لديه قوة تدفعه في الاتجاه الأول وتمنعه في الاتجاه الثاني. إلا أن بعض المدارس الإسلامية جوّز على الأنبياء والرسل والأولياء ارتكاب بعض الذنوب في غير التبليغ. وبعضهم لم يجوز.
ولو سلمنا بذلك وقبلناه لكان المحذور كبيراً والضريبة باهظة التكاليف، فلو قلنا: إن النبي والرسول والإمام والملك ليسوا بمعصومين، لزم من ذلك:
1 سقوط الوثوق بجميع التشريعات التي يأتون بها، بسبب ما يمكن أن يحتمل فيه من الكذب والعياذ بالله. فإذا انتفت العصمة أمكن أن يرتكب الذنب، ومنه الكذب، إذ لا خصوصية للكذب.
2 أن النبي أو الإمام أو الملك إذا اتصف بعدم العصمة فإن ثقة الناس فيه تنعدم، ومن انعدمت فيه الثقة لا تناط به المسؤوليات، وهذا خلاف الغرض.
3 أن المعصية التي يرتكبها إما أن يلزم أن نتخذه أسوة وقدوة فنقلده فيها، فنكذب كما كذب، ونظلم كما ظلم والعياذ بالله، وهذا لا يمكن أن يقره عقل، ولازمه انتفاء البعثة من أساسها. أو أن يتحول الآمر إلى مأمور، فبحكم العقل أن الكذب مثلاً قبيح، فبدل أن يكون المعصوم ناهياً عن الذنب أصبح محلاً للنهي، وبدل أن يَأمر بترك الكذب أصبح مأموراً. فتحول الأمر أن يكون المرسَل مرسلاً إليه، والعكس صحيح. وهذا ما لا يقبله عقل.
وبناء على ذلك يقبح على ساحة القدس المطلق أن يبعث إنساناً بهذه الصفة، ولا مجال إلا أن يكون معصوماً.
والزهراء معصومة، وعصمتها من النوع الأول، أي العصمة الكبرى، فما لفظت من قول، وما قامت به من فعل، وما أقرته من عمل الآخرين، فإنه يرسم معالم منهج لو أخذت به الأمة لعصمت نفسها والرسالة معها، ولكن لأن الأمة لم تحسن القراءة والتعامل مع الزهراء كما ينبغي وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.
فما هي الأسباب التي تقف وراء تغييب الزهراء في بعدها العلمي والفكري والأدبي والرسالي عن واقع الأمة؟ السبب أننا نستغرق في الزهراء في جانب واحد وهو المظلومية فحسب، بأنها ضُربت ولُطمت، وهو أمر وقع بلا شك، وعليه كلمة التاريخ، ولا ننكر منه شيئاً، إلا أن هذا ليس كل ما في حياة الزهراء إنما هو المفردة الأخيرة من حياتها، أما حياتها من يوم ولادتها في مكة المكرمة إلى يوم ارتحالها في المدينة المنورة التي كانت مفردة تدفع مفردة في عالم الوجود الإنساني بأكمله، فلا نعير له اهتماماً.
إن الزهراء عظيمة في ولادتها وتكوّنها وتربيتها وحركتها في مجتمعها النسوي، وفي كل شيء. والمرأة المسلمة تخلفت بين المسلمين لأن الزهراء الحقيقية غيبت عن أوساط النساء، فالمرأة المسلمة تذيلت سلّم الرقي في عالم اليوم، لأننا لم نقدم الزهراء كما أرادت لها السماء أن تكون. فما في الزهراء من الأحاديث لا يقل كثرة عن غيرها، إلا أنها مغيبة.
فلو قُدر لأحدنا أن يتصدى لإيجاد حالة من المقاربة لمفردة من مفردات الزهراء فإن الدنيا تقام ولا تقعد، لأن المرتزقين على مأدبة الزهراء كثر، ويريدون للأوضاع أن تبقى كما هي عليه. حال أنها أمانة في عنق كل من يرتقي هذه الأعواد، لأن تلك الأعواد إنما وجدت ببركة قطرات دم أريقت من الزهراء ثم من الإمام الحسين .
فلولا وقوف الزهراء في مسجد النبي ﷺ تخاطب الرجل بالخطاب الذي سمعتموه كثيراً، لما وقفتُ أنا وأمثالي على هذه المنصة لنذكر اسم فاطمة بنت محمد.
فالزهراء فتحت باباً واسعاً في الدنيا هو باب الجهاد، وأعني به الجهاد الأكبر العظيم، جهاد النفس، وهو على أربعة ضروب:
1 جهاد النفس في تحصيل المعرفة الدينية: فلننظر لحالنا في هذا المجال، ولنسأل أنفسنا: لماذا تمر مئات السنين ليكون لدينا الطبيب والمهندس والأستاذ؟ ولماذا لم يكونوا قبل ذلك؟ الجواب: أننا غيبنا الزهراء .
ولماذا لم نرَ بين أوساطنا نساءً فاضلات في العلوم الدينية إلا في الآونة الأخيرة، ولم يحدث فيما مضى؟ الجواب: لأننا غيبنا الزهراء .
لماذا نجد أن بناء الأسرة غير مكتمل من جميع جوانبه؟ الجواب: لأننا غيبنا الزهراء .
فالزهراء في ذكرى شهادتها أو مولدها ليست مجرد احتفال، إنما هي احتفاء بفكر وعلم وتربية وجهاد وما إلى ذلك.
2 جهاد العمل: فبعد أن يتعلم الإنسان بمجاهدة النفس عليه أن يجاهد في العمل فيما تعلّم، وإلا لعنته الملائكة. فكم من الناس أجهدوا أنفسهم في تحصيل العلم، وأمضوا سنوات في تحصيله، إلا أنك لا ترى شيئاً يترشح من ذلك، لا في باب الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، ولا مساعدة الضعفاء، ولا الأخذ بيد أيتام آل محمد إلى جادة الصراط المستقيم، ولا غير ذلك.
3 ترويض النفس على حمل الأمانة: وهو نوع راقٍ من الجهاد، في التزام الدين ومتابعة أهل البيت ونقل ذلك إلى المجتمع. فرجل الدين عليه أمانة، والمرأة المتعلمة والرجل المتعلم عليهما أمانة، وكل منا لديه أمانة لا بد أن يؤديها.
4 جهاد النفس مع مفردات الحياة: وهي كثيرة.
وأخيراً أقول: في مثل هذه الليلة على الرواية المشهورة كان حال بيت الإمام أمير المؤمنين حال آخر غير طبيعي، لأن معالم العلة في الزهراء بدت تبرز وتتضح، إذ اصفرّ لونها ونحف جسمها.
أهذا جزاء النبي ﷺ وجزاء أمير المؤمنين الذي لم يسقط السيف من يده في معارك الإسلام؟
تقول الرواية: رجع في من رجع إليها منهم خالد بن الوليد، وأخذ يضربها بنعل سيفه في خاصرتها، ثم التفت الرجل فقال لقنفذ: هذا السوط فأرجعها، فإن أبت فاضربها، فصار يضربها دون توقف، على متنها ومعصمها، حتى بلغ المشهد خاتمته المعهودة.
كانت الزهراء تنادي: يا علي يا علي يا علي، لكنها لم تسمع من علي إجابة، وهذا بحاجة إلى توقف وتأمل ليس محله هنا.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.