آخر الحصون...!
أقسى شيء في القرية أن يفسد «الملح» فبه يحفظ كل شيء..! وبدونه يصبح كل شيء فاسدا، أو هو قريب منه، وملحنا الفاسد هو - جامعاتنا - آخر حصوننا التي سقطت في فساد يترفع عنه، صغار النفوس.. وصغار الرجال..!
كسائر الناس كنتٌ، أرى جامعاتنا ترتع في فساد عظيم، ولا أرى، وأبصره فيها، وكأني لا أبصره منها، كذبنا فيها العين والأذن.. أصبنا ونحن نغمض أعيننا عنها بالعمى الأعظم..! وفي آذننا وقر عن سماع ما يؤذينا فيها، ربما لأن - جامعاتنا - هي آخر حصوننا..! آخر جدار يسترنا.. آخر قطعة قماش تركه الفساد على أبداننا..!. لم نشأ، ولم نرغب أبدا في أن نجد أنفسنا - عرايا - أمام أعين العالم..!!.
ربما لم يعرف «الفاسدون» من عمداء الجامعات..!
أن سقوطهم.. جعلنا نفقد أيماننا في كل أحد، وجعلنا من العسير أن نؤمن في أحد ولو حمل في يده عصاة موسى.. وأخرج لنا يدا بيضاء من غير سوء..! فحتى أيدي العلماء تسرق أحيانا...!!
كنا نلوذ - بالعلماء -..! لأن العلم يرفع صاحبه، ويزكيه، ويدنيه، ويجعله أقرب إلى الله من كل نفس، وأدنى إلى الحقيقة من كل أحد، لأن العالم يمثل الطهر الذي نريد أن نبلغه، ولم نبلغه، ويمثل اليقين الذي لم ننته إليه بعد، ويمثل القيمة الأخلاقية التي لم نبلغها ولم نصل إليها بعد..!. «أنما يخشى الله من عباده العلماء».!.
أخف لفظة سمحت لنفسي أن أبوح بها إليكم: أن فسادكم أخزانا.. أكثر من كل فساد مخزي..! وأن سقوطكم جعلنا بلا جدار يسترنا.. لقد كنتم أكثر أنانية من أي أحد، لأن الطعنة التي لا تتوقعها تؤلمك أكثر.. ولأن الخيانة التي لا تتوقعها.. تجعلك ضعيفا أمامها أكثر..!
ما أقبح الخيانة ممن يفترض فيه الإيمان.. وما أشنع الفجور ممن يتظاهر.. بالعفة..!..
يا أيها الملح الفاسد..!
بما نصلح الأشياء بعدكم..!! أفسدتم على الناس مشربهم، أفسدتم على الناس - بئرهم -! بفعل لا يليق بالرجال، ولا يصدر من مؤمن بوقفة... طويلة أمام الله...!.
حولتم - مساقي المعرفة - ومنابعها - إلى «شجرة نسب» وفروعها..!!. وأنقلب الضمير فيكم، وطاش الجشع، ورق الدين، حتى حاز بعضكم «400» مليون مقابل نثر لا يضرس عليه بضرس، ولا يستقيم منه أعوجاج غصن، ولا يرجع منه عاص عن ذنب..!! وهي قيمة لو أنفقت على بناء جامعة لوسعتها، ولو أنسكبت على أرض لأخرجت منها مراكز صحية.. تترفق بمرضى معوزين، أو تلتقط فقرا من مخابئ الأرصفة.. وجدارا وطيئة.. وأسقفا تترقب أجل سقوطها على من لا يجد له ملاذا غيرها يستظل به..!.
أيها الذين «كنا» نحسبهم «علماء».. لا تصح الغواية على القوي الأمين..! فقد حملتم أسم «الدكاترة» وأسم «العلماء» وأسم «العمداء» ولم ترتفعوا إلى صفاتهم، ولا إلى أخلاقهم..!.
كنتم آخر حصون العفة عن الفساد التي سقطت..
كنتم الملح الذي فسد..
سيما إن كانت الجامعة «دينية»..
هذه هي ذات اللحظة التي يسرق فيها العابد سجادة الصلاة.. من المحراب..!.
ليته لم يتعبد..!!
لكي لا يسرق المسجد.. ويسلب المحراب..
وليتكم لم تتعلموا....
لكي لا تقدموا للأجيال نموذج العالم السارق..
والعالم الخائن..
والعالم الذي يسرق السجادة من المحراب
من بيت من بيوت الله..!.