آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:37 م

أشعة «رنين» وسخرية سقراط

جمال الناصر

همسة: كن راقيًا في حوارك، مع الآخر، مستفيدًا من ألف باء الأسئلة، حتمًا ستكون الفائدة من نصيبك.

لم يكن يومًا عاديًا، حيث المساء، يختزل الفكرة منذ الدقائق العجاف، الفكرة حين تفتح فضاء العقل البشري، تشغله عن كل البيئة في زواياه، يغمض عيناه، لفترات كثر، متأملاً صحوة الكلم، معانقًا دفء الروح، انتشاء إكمال لوحة، لربما تكتمل ذات يوم. هكذا كان ظل الصديق الصيني العزيز ”هو جين بو“، الذي كان يتقن التحدث والكتابة باللغة العربية، ليوفر على أمثالي تعلم اللغة الصينية، كنت أصغي له، يتحدث عنها - أشعة رنين - بشغف، يمنحني بعض المعلومات عنها، وكيف استطاعت أن تقدم خدمات طبية نوعية. إن الميول لدي أدبية بنسبتها الأكبر، إلا أن الاستفادة من المعلومات العلمية والطبية، لشيء لطيف، أن تسكن في دهاليز العقل.

لم يشعر ”هو جين بو“، ما أفرزه من رغبة في ذاتي، لأمارس القراءة عن - أشعة رنين -، من باب الاطلاع لا أكثر، ليأخذني الفكر في عملية تزاوج، ربط فكرة ”رنين“، بالواقع الاجتماعي والثقافي، وكيفية تفاعلاتنا معها، وتعايشنا ضمن زئبقيتها، في العالم الافتراضي - السوشل ميديا -، التي تمثل أسرع ”ردت فعل“، بإمكانها الوصول إلى أذني المتلقي - الآخر -، لتنتج ما تنتجه على حد سواء، أكانت إيجابية أم سلبية. تعرف الموسوعة الحرة ويكيبيديا ”أشعة رنين“ بكونها - التصوير بالرنين المغناطيسي -، التي تعنى بأنها وسيلة تصوير طبي، لتوضيح التغييرات الباثولوجية في الأنسجة الحية. أن يكون الإنسان في علاقاته الاجتماعية والثقافية..، إلى آخر القائمة، إضافة إلى - السوشل ميديا -، يتبع ثقافة - أشعة رنين -، ليصنف هذا ويحكم على آخر، داخلاً في نيات الآخرين، نعم، يقال ”خذ الآراء واضرب بعضها ببعض، يتبين لك الصواب من الخطأ“، هنا ثمة مفارقة بين أن يمارس على الآخرين تصنيف نياتهم وتوصيفها، سعيًا في الإقصاء، أو لرغبة نفسية، باعثة على هذا السلوك، وبين أن يكون الوعي حاضرًا في تجاوبنا مع المعطيات الثقافية والاجتماعية..، كحالة تهفو الوصول إلى النتيجة الأكثر نضجًا. إن التفكير والتفكر شيء، وممارسة ”اللقافة والتحرطم“، شيء آخر، وشتان بينهما.

يقول الكاتب النرويجي، الأستاذ في الفلسفة وتاريخ الفكر، الذي يمارس الأدب والتعليم معًا ”جوستاين غاردر“، واصفًا ”فن الحوار عند سقراط“: بأنها الطريقة الفعالة لتوليد المعرفة، وهي التي تسمى ”سخرية سقراط“، موضحًا ويكمن سر الفعالية لديه - سقراط -، في أنه لم يكن يحاول تعليم الناس، بقدر اهتمامه، أن يعطي انطباعًا، بأنه يريد التعلم من الآخر - محدثة -، يناقش ويجادل، حيث كان يبدأ بطرح الأسئلة، متظاهرًا بأنه لا يعرف شيئًا، ثم يرتب الحوار بشكل يجعل المحاور يكتشف شيئًا فشيئًا مثالب تفكيره، إلى أن يجد نفسه أخيرًا محصورًا، بحيث يضطر إلى التمييز بين الصواب والخطأ، مؤكدًا بأنه لو اكتفى بمحاورة الناس لما أصبح فيلسوفًا مشهورًا. عودًا قد يكون حميدًا على ما جاء في العنوان ”أشعة“ رنين ”وسخرية سقراط“، أن ثقافة الجزء الأول منه، ليس من المنطق بمكان التعامل به مع الآخر، الذي مما لا يدع مجالاً من الشك، أن رواد الدخول في نيات الآخرين، لن يجنوا من هذا السلوك إلا الهم والنكد، القلق النفسي سيتعبهم، لحد التعب، وكلما أفرطوا فيه، كلما كان الأسى الوجبة الرئيسة، تتصدر سفرة الطعام، العشاء والغذاء، وربما كان الفطور في طريقه، متربعًا عليها - السفرة -. في الحقيقة، إن أسلوب الفيلسوف اليوناني ”سقراط“ في كيفية فاعلية توليد المعرفة في جنبتها الفلسفية، حين نسقطها تفاعليًا في وجهتها الثقافية والاجتماعية..، إلى آخر الأحرف الأبجدية، وصولاً لحرف الياء، لهي الطريقة المثلى في فنية الحوار، واستشراف التربة الخصباء، التي تثمر أفكارًا نوعية. نهاية ينصحنا ”غاردر“، بقوله: تتمثل مهمة سقراط في توليد العقول أفكارًا صحيحة، هكذا إذن، فإن المعرفة الحقيقية لا تأتي إلا من داخل كل منا دون أن يستطيع أحد أن يقذفنا بها.