آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

أريد أن أؤلف كتاباً، ولكن!

محمد معتوق الحسين *

التقيت مؤخراً بالعديد من المبدعين الذين صارحوني برغبة قديمة في خوض تجربة التأليف، لولا أن بعض الأسباب منعتهم من ذلك. حسبت بدايةً أن الموضوع طبيعي، فكلٌّ منّا يمر بظروف قد تمنعه من تحقيق هدفه، لكن مع الوقت لاحظت أن عدد «الحالمين بالتأليف» أكبر مما تصورت بكثير! لا أتحدث هنا عن أناس لا يملكون تجارباً مثرية أو علماً نافعاً أو أدباً مميزاً، بل عن أشخاص أبدعوا في شتى المجالات الفنية والعلمية والحياتية.

ولكن ما الذي يمنع مبدعاً يمتلك تجربة ناضجة من تخليد تجربته في كتاب يفيد به آلاف القراء؟ بعد حوارات عديدة مع أولئك، علمت أن العوائق الثلاثة التالية هي أهم ما يحول بين المبدع وتحقيق هدفه بالتأليف:

  1. ضعف الثقة بالنفس وخشية النقد

الكثير من الراغبين بالتأليف تعتريهم حالة من الشك بقدرتهم على ذلك، وينتابهم الخوف من النقد اللاذع. تجد أحدهم يتساءل: ”هل تجربتي تستحق التأليف حقاً؟ هل أمتلك اللغة الجيدة والأسلوب الجاذب؟ ماذا لو لم يعجب كتابي القرّاء؟ ماذا لو سخر منه النقّاد؟“ ويبقى ذلك المسكين في دوامة التساؤل لسنوات ربما، دون أن يتجرأ لخوض التجربة.

    2. الجهل بعملية النشر

أستطيع أن أقول أن جميع المبدعين الذين حدثوني عن رغبتهم بالتأليف كانوا جاهلين كلّياً - أو بشكل كبير - بعملية التأليف والنشر. فهو قد لا يعلم كيف يبحث عن المعلومة، وكيف يخطط لمحتوى كتابه، وكيف ينظم وقته ليتم التأليف في موعد محدد، وكيف يتواصل مع دور النشر، أو كيف يقوم بالنشر الذاتي. ولا يعرف المهام المرتبطة بالنشر، كالتصميم، والصّف الداخلي، والتدقيق اللغوي، والفسح القانوني، والتعاقد مع الموزعين والمكتبات، والإعلان والتسويق، وما إلى ذلك. هنا أتساءل: كيف يتحمس شخص للسفر في رحلة طويلة دون أن يعرف عنها شيئاً؟

   3. ضعف الحافز المادي

هل تعلم - عزيزي القارئ - أن المؤلف المبتدئ في أوطاننا العربية، إذا أراد أن ينشر كتاباً مع دار نشر، يتقاضى نسبة أقصاها 10% من سعر الكتاب؟ فإذا فرضنا أن سعر كتابه هو 40 ريالاً، فإن المؤلف لا يحصل إلا على 4 ريالات فقط «وأحياناً أقلّ»، والبقية تتقاسمها المكتبة ودار النشر وشركة التوزيع والمطبعة! هذه القسمة «الضيزى» تنفّر الكثير من الكتّاب المُحتمَلين، الذين لا يجدون في عملية التأليف والنشر ما يعوض الإرهاق والجهد الذي تكبدوه.

 الجميع مسؤول 

أعتقد أن مسؤولية التغلب على صعوبات التأليف المذكورة أعلاه هي مسؤولية مشتركة: تقع على عاتق المؤلف، والمجتمع، والجهات المعنية.

فالمؤلف عليه أن يتحلى بالشجاعة ويتغلب على الشك والخوف المبالَغين. بالطبع، هناك مقدار مطلوب من الشك الإيجابي، الذي يحفز المؤلف على تحسين إنتاجه الأدبي بشكل مستمر. لكن يجب ألا يصل الشك إلى درجة يصاب بها الكاتب بالشلل. والنقّاد موجودون دوماً، ولن يسلم منهم أحد، فلا داعي للخوف المبالغ منهم. معظمهم نقده مفيد، وأولئك السلبيون يجب تجاهل تفاهاتهم. لازلت أتذكر بعض أصدقائي الذين صارحوني أن سبب عدم نشرهم لكتبهم «المكتوبة والجاهزة» هو خوفهم الشديد من النقد اللاذع.

هنا أنبه على نقطة مهمة: تحلي المؤلف بالشجاعة لا يعني أن يقفز في بحر التأليف والنشر قبل أن يتعلم أساسيات الكتابة السليمة، وقبل أن يصل إلى النضج في الموضوع الذي يود الكتابة عنه. فالسوق الآن أصبح مليء بكتب غير ناضجة لا تستحق النشر بشهادة معظم النقاد، ولا نريد المزيد!

كذلك على المؤلف أن يبذل بعض الجهد في تعلم أساسيات عملية التأليف والنشر. الموضوع سهل فعلاً. أتذكر أنني استفدت كثيراً بعد أن استمعت لمحاضرة مجانية متوفرة على يوتيوب بعنوان ”فن التأليف“. ومعظم ما يحتاج المؤلف معرفته موجود بالإنترنت.

والمجتمع بإمكانه أن يساهم في تحفيز التأليف والنشر، وذلك بتشجيع المؤلفين ومساندتهم ودعمهم معنوياً. هذا بالإضافة إلى تحفيز النقد البناء ليكون عُرفاً اجتماعياً سائداً، ومحاربة النقد السلبي الهدام الذي لا يتناول إلا جوانب النقص، بأسلوب هابط.

أما الجهات المعنية بعملية تأليف ونشر وتجارة الكتب، كوزارتَي الإعلام والتجارة، فبإمكانها تحفيز المؤلفين بسنّ القوانين التي تحفظ للمؤلف حدّاً أدنى من العوائد المالية على نتاجه الفكري، وهو ما من شأنه أن يجذب المزيد من المبدعين لخوض تجربة التأليف. كذلك، تمتلك هذه الجهات فرصة كبيرة لدعم عملية التأليف عبر إنشاء المزيد من البرامج الراعية للمؤلفين، على غرار مبادرة «المؤلف الشاب» التي يرعاها مركز الملك سلمان للشباب، و«برنامج دبي الدولي للكتابة».

مما لا شك فيه أن تقدّم الأمم مقترنٌ بقوة الحركة الثقافية فيها. والكتاب هو العنصر الأساسي في هذه الحركة. فإذا أردنا أن نتقدم، علينا أن نسهّل عملية تأليف ونشر الكتاب، لتكون عملية جاذبة لذوي التجارب المثرية، والأدب الرفيع، والعلم النافع.

ولعلّك منهم!