ثقافة الوعي
تختلف قراءة الأشخاص للأحداث الاقتصادية والسياسية والثقافية، تبعا للمتابعة والقدرة على التحليل، وكذلك نتيجة امتلاك المعلومات الدقيقة، فالمرء العالم يختلف عن الجاهل في التعاطي مع الأحداث، اذ تمتاز المواقف العالم بالاتزان والتروي في ردات الفعل، فيما الجاهل تمتاز مواقفه بالارتجالية، وعدم القدرة على التمييز بين الخيط الأبيض من الأسود، الامر يجعله فريسة سهلة لدى الأطراف الأخرى، التي تتلقف مثل هذه العناصر بالاحضان، من اجل استغلالها بشكل مجاني.
لا ريب ان كل حدث يتطلب مواقف مغايرة، عن الأحداث الأخرى، نظرا لوجود عوامل محيطة، ومسببات ساهمت في وقوع الحدث، الامر الذي يستدعي التعرف على تلك الأمور للوصول، الى الرأي الصائب او القريب من الحقيقة، فالموقف يحتاج الى قراءة مجمل الحدث بكافة تفاصيله، دون الاعتماد على قراءة ضيقة للحدث، والتي تحول دون القدرة على التحليل الصائب، بمعنى اخر، فان قراءة المعطيات والمؤشرات، مرهونة بإدراك تداعيات القرار المتخذ، نظرا لوجود أطراف عديدة تحاول تجيير ذلك القرار لصالحها، فيما يتعلق الصراع القائم.
عملية اتخاذ المواقف المجانية، التي تخدم الطرف المناوئ سمة بارزة، لدى عديمي الوعي، بالاهداف الحقيقة من وراء اندلاع، تلك الأحداث، حيث يتبرع هؤلاء لتقديم فروض الطاعة للخصم، الامر الذي يفقده القدرة على اتخاذ المواقف المحايدة، او المستقلة، حيث تمثل الخطوة الأولى بداية السقوط، وفقدان القدرة على التراجع، واتخاذ طريق اخر، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾.
مشكلة البعض محاولته الانخراط في مختلف القضايا، اذ يحاول استغلال المنابر التي يمتلكها، او المتاحة بطريقة خاطئة، الامر الذي ينعكس بصورة سلبية على مكانته الاجتماعية، جراء المواقف غير المسؤولة التي يطلقها دون دراسة، او الالتفات الى تداعياتها على البيئة الاجتماعية، او محاولة الطرف الأخر استغلالها، لأحداث شرخ في طبيعة العلاقة الاجتماعية، اذ يعمد لتسليط الأضواء على تلك المواقف، باعتبارها حقيقة دامغة ”شهد شاهد من أهلها“.
الإصرار على السير قدما، في اتخاذ المواقف الخاطئة، يشكل خطورة كبرى، فالخطأ وارد لدى جميع البشر، بيد ان المشكلة تتمثل في عدم الاعتراف بالخطأ، بمعنى اخر فان مبدأ ”الاعتراف بالخطأ فضيلة“، ليست موجودة في ادبيات هذه الشريحة الاجتماعية، لاعتقادها بصوابية مواقفها الصادمة، نظرا لحالة التشوش في قراءة المعطيات المحيطة، ببعض الأحداث الاجتماعية، الامر الذي يساهم في اتساع الهوة، وتكريس بعض المشاكل الاجتماعية.
المهارة الكلامية، او الملكة الكتابية، ليست كافية للإمساك بزمام الوعي، وتحليل الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية، فالوعي قدرة ليست متاحة للجميع، وبالتالي فان المرء بحاجة الى الخوض في معركة الحياة، والانخراط في المعارك على اختلافها، لاكتساب الخبرة اللازمة، قبل إطلاق المواقف، خصوصا وان الانسان يكون مرهون للمواقف، التي يتخذها في الغالب، (الْكَلاَمُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ، فَإذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ).