يد القطيف لا تصفق وحدها
لا أظن الشهيد ورجل الأمن هاشم الزهراني تخيل وهو يؤدي واجبه في حماية أحد مساجد الشيعة في القطيف أن يختطف ويعذب بوحشية قبل أن تنهى حياته برصاصة في الرأس في المكان نفسه الذي أفنى حياته في خدمته وخدمة أبنائه.
الجرائم الإرهابية التي تقترفها شرذمة قليلة من السفلة المتوحشين في القطيف تتسارع وتتلاحق بوتيرة أعجزت المتابع عن العد والإحصاء، فمن اغتيال رجال أمن يؤدون واجبهم في حماية القطيف وأبنائها، إلى قتل ضيف الله القرشي، واختطاف القاضي الجيراني، ومحاولات عدة لقتل المهندس نبيه البراهيم، وحتى والداه المسنان لم يسلما من رصاصهم. يريدون إخراس كل رافض لحمل السلاح، وكل مستنكر للعنف الدموي لثلة من الأغبياء الفاشلين دراسيا ومدمني المخدرات.
صور لهم ما بقي من خلايا عقلهم بعد سنوات الإدمان، أنهم بهذه الفظائع يقاومون الدولة «التي ظلمتهم» فلم تسمح لمغيبي العقل أمثالهم بتولي منصب وزير أو رئيس شركة كبرى على الأقل! الأوهام وجنون العظمة لم يقفا عند هذا الحد، تمادوا كثيرا حتى جعلوا أنفسهم امتدادا لجيش الحسين في كربلاء ولا بد من نصرته ولو بعد ألف عام بقتل الأبرياء والصالحين بمختلف مذاهبهم! ليتهم يعلمون أن الحسين منهم براء، والإسلام منهم براء، والإنسانية منهم براء، بل حتى الحمار الذي ما زال يستخدم في بعض مزارع القطيف أكثر نفعا منهم.
لم يضر أهل القطيف أحد أكثر من حفنة الإرهابيين من أبنائها، شوهوا صورة أهلها المتسامحة المسالمة المتصالحة مع الجميع، أوقفت تغذية جميع الصرافات التي لا تقع على شوارع رئيسة كبرى بعد سلسلة الاعتداءات المسلحة عليها وعلى من يغذيها، توقفت باصات أرامكو عن دخول القطيف لإيصال الموظفين لمنازلهم بعد إحراق أحدها عمدا، هددوا كل من عارضهم بالقتل والتنكيل حتى اكتفى الغالبية بإدانتهم همسا، خشي الناس الصراخ بأعلى أصواتهم رفضا واستحقارا واشمئزازا من أفعالهم الشنيعة التي أنزلتهم منزلة الشمر بن ذي الجوشن الذي فصل رأس الحسين بن علي عن جسد ظامئ مثخن بالجراح.
إرهابيو القطيف لم يظهروا هكذا فجأة من العدم، بل ساهمت عوامل عدة في وجودهم وتحولهم الوحشي، فالبيئة الحاضنة لهم من عائلة أو أصدقاء بيئة متطرفة، غذت فيهم الحقد والكره للدولة، لا يرون الحقوق التي يتمتعون بها سواسية مع جميع أبناء الوطن من تعليم وابتعاث للخارج، وفرص عمل وبنية تحتية، وتمثيل في الشورى والمجالس البلدية، وحق ممارسة الشعائر، وحق الاختلاف بالمذهب، والأهم نعمة الأمن في ظل حكومة تمكنت من توحيد المملكة رغم اتساع رقعتها، وتعدد قبائلها واختلاف مذاهب سكانها، يركزون فقط على السلبيات والنواقص البسيطة وينفخون فيها ويضخمون حجمها.
ثم يأتي دور بعض خطباء السنة الذين دأبوا في فترات سابقة على تكفير وتفسيق من اعتنق خلاف مذهبهم، وأعلنوا مرارا وتكرارا أنهم لا يعدون مسلمين ومصيرهم النار، هذا الخطاب أوغر صدور البعض بغضا وأشعر الآخرين بالإقصاء والعزلة والنبذ، كما أن خطاب بعض خطباء الشيعة الديني تقليدي جدا، ولا يتطرق غالبا للموضوعات ذات الأهمية الكبرى من إدانه حملة السلاح وحث الآباء والأمهات على تنمية حب الوطن وتعزيز الانتماء والوحدة في نفوس أبنائهم، وإضافة لما سبق لا نغفل دور الإعلام الإيراني الذي دأب على تحريض شيعة الخليج ضد أوطانهم، وأصر على وصفهم بالمظلومين مسلوبي الحقوق، بل استمر وحتى اليوم في وصف الإرهابيين في القطيف بالمناضلين والناشطين الحقوقيين، وضخم أي حدث يقع في صفوف الشيعة، بل فبرك أخبارا ليس لها وجود، نهج يصب في سياق الطمع الإيراني بالتوسع في المنطقة.
كل هذه العوامل مجتمعة صنعت ما نراه اليوم، والحل يكمن في تضافر كل الجهود للقضاء على الإرهاب في القطيف كما هو الأمر للقضاء على الإرهاب في أي منطقه أخرى من بلدنا الحبيب، الحل ليس بيد أهالي القطيف فقط بل هم جزء منه، وهم أول وأكبر من يتمنى الخلاص من الإرهاب والقضاء عليه.