البصيرة المهدوية
تطلع المؤمنين لتلك الطلعة البهية للإمام المهدي لا تحكمها العواطف الجياشة المنفصلة عن الواقع السلوكي والهدى الإيماني في ميادين الحياة، فهي ليست علاقة إعجاب وإكبار تنطوي على عشق ولهفة قلبية لرؤية انبثاق مشروعه النهضوي والإصلاحي الذي يعمر به أرجاء البسيطة فقط، بل هو انصهار تعبوي وعملي في فضاء أبعاده ومنطلقاته وتوجهاته وفق طلب رضا صاحب الزمان، كيف ونحن نؤمن بأن أعمالنا بحسنها وقبيحها تعرض عليه، وهذا الاعتقاد يلقي على أكتافنا تحمل مسئولية الاستقامة والورع، وليس هو بمنحى تختفي منه الخشية من الله والغض من مراقبته تعالى لتصرفاتنا، بل هو وضع مرآة الإنسان الكامل والولي الأعظم والإمام المقتدى به بين أيدي بصائرنا ومسالك جوارحنا، ليندك ويشتد عمله بعد أن وضع هذه الحقيقة بين يدي خطاه قبل أن يقدم عليها، وتبقى كلماته رهينة لموافقة الصلاح والإثمار بنتائج طيبة، ليخلو لسان المؤمن من عبثيات شهوة الكلام فضلا عن المنزلقات والسقطات.
وأمام هذه البصيرة المهدوية ينطلق المؤمن في مختلف ميادين العمل العبادي والثقافي والاجتماعي والتنموي وقد تسلح بالإخلاص والمثابرة لبلوغ الأهداف دون توان أو خمول، فالإرادة القوية والفكر الواعي يسطران ملامح التقدم والإنجاز، إذ للمؤمن هدف راق وهو إدخال السرور في قلب صاحب الزمان بكل عمل ناجح وفكرة نيرة يقدمها؛ لتتبلور شعلة الطموح والازدهار على جميع مناحي الفرد والمجتمع.
أولئك المتخاذلون الذين تسلل اليأس أو الخوف من الجد والعمل إلى قلوبهم لم يستضيؤوا بنور الإمام المهدي واستشعار وجوده في حياتهم، فأصيبوا بخيبة الأمل مع تظافر عوامل الإخفاق والتعثر وكثرة المشاكل والمحن التي تضرب الناس وتقصف عزائمهم، أما أولئك المهدويون فلا تنفل رباطة جأشهم وإقدامهم في سوح العمل والتخطيط للمستقبل، ويتخذون قراراتهم وفق المتاح والممكن بعد دراسة مستفيضة ومعمقة لما يمكن القيام به، فالمهم هو القيام لله تعالى بعمل يكتنف الإخلاص والرؤية النافذة والمسعى المتزن.
ما أعظم تلك النفوس التي تستشعر وجود إمامها وهو ينظر لمدارستهم للمشاكل التي يمرون بها، فينتظم المؤمن في محراب العبادة والمناجاة وتحمل المسئولية المجتمعية بما يرضي مولاه عنه، بعيدا عن زخرفة وبهرجة طلب الشهرة.