آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:07 ص

صكوك البراءة

محمد أحمد التاروتي *

يعتمد البعض قاعدة الإدانة الدائمة، لشريحة واسعة من البشر، فالبراءة استثناء وقاعدة شاذة و”الشاذ بحكم العدم“ كما يقال، وبالتالي فليست مبدأ ثابتا، بمعنى اخر، فان الجميع يبقى في دائرة الاتهام، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، اذ لا تجدي جميع ادلة البراءة، بالرغم من قوتها، في استبعاده من قفص الاتهام، فهو الخصم والحكم، وبالتالي فان شهادة حسن السيرة والسلوك تبقى لاغية وتساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، في خلت من توقيعه وختم صك الغفران عليها.

الاختلافات الفكرية والثقافية، توسع الفجوة بين مجتمعات بشرية، وكيانات أخرى، بحيث يعتمد البعض كيل الاتهامات طريقا لحشد الأنصار، فهذه الاتهامات تهدف الى زرع الكره في الطرف الاخر، بمعنى اخر، فان اعتماد الصدق، وتحري الدقة في نوعية تلك الأكاذيب، ليس مطلوبا لدى بعض الأطراف، مما يدفعه لإلصاق الغث والسمين بالغريم، وبالتالي فان تلك الاتهامات تصبح واقعا في الأثر الفكري والثقافي، في البيئة الاجتماعية الحاضنة، فالصراع القائم يجعل الانصاف من المثاليات، التي لا تستحق الاهتمام، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.

الظهور بالمظهر الملائكي في التعاطي مع الآخرين، بمثابة الجواز الذي يجعل البعض قادرًا، على ممارسة استبعاد براءة الآخرين، فهو يتحرك لاستقطاب شرائح محددة، باعتبارها الحاضنة الحقيقية، لإنزال الويل والثبور عظائم الأمور، تجاه الطرف الاخر، بمعنى اخر، فان محاولة إصدار صكوك البراءة للطرف الواقع في دائرة الاتهام، جريمة عظمى لا تغتفر على الاطلاق، من البيئة الحاضنة والرئة التي يتنفس من خلالها، مما يدفعه لمواصلة مشوار التشكيك، في ادلة البراءة التي يقدمها الطرف الاخر.

تنطلق جملة الاتهامات في الغالب من الاستماع الى معلومات مشوشة او محاولة ممارسة الاذلال، فالتغلب على تصحيح المعلومات المغلوطة، مسألة ممكنة مع وجود الرغبة للانصياع للحق، مما يقود في نهاية المطاف لإزالة الغموض، وبالتالي إعادة الأمور في نصابها، بحيث يؤسس لعلاقة متكافئة، قائمة على التعامل الإنساني، والعودة للمبدأ القائل ”الانسان بريء حتى تثبت ادانته“.

المشكلة الكبرى تتمحور في السلوك الاذلالي، الذي يعتمده البعض في التعاطي مع الاخر، حيث يتخذ مختلف أشكال الممارسات، لإظهار التسلط، فالاتهامات التي تغزو أدبياته وخطاباته، ليست سوى وسيلة للوصول الى الغايات الأخرى، الامر الذي يفسر أعراضه عن القبول، بمختلف الأدلة التي تقدم لإظهار البراءة، ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وبالتالي فان الوصول الى نقاط التقاء مع هذه النوعية من البشر، امر بالغ الصعوبة، نظرا لعدم وجود أرضية مشتركة، تؤسس للحوار القائم على الاحترام المتبادل، مما يجعل محاولة تغيير بعض القناعات مضيعة للوقت.

كاتب صحفي