الاحتكار ليس حكرا على تجار الأرز فقط!
استغرق اكتساب الحكم بإيقاع غرامة على بعض تجار الأرز «المتخاوزين» للتلاعب في أسعار سلعة ضرورية تُعد القوت الأساس لسكان البلاد، استغرق الحكم سنوات حتى تؤيده محكمة الاستئناف ليكتسب القطعية! وهذا يؤثر في جانب الردع، وهو جانب أساسي لكبح جماح الطامعين في تحقيق ثروات من خلال إعاقة آليات العرض والطلب، وعلى حساب جيب المستهلك.
وفوق أن اتفاقات التجار هي ممارسة احتكارية تقليدية، تنشط حيثما يوجد «احتكار القلة»، وهو تحكم مجموعة صغيرة من التجار على سلع سلعة أو خدمة، بما يسهل أن يتفقوا فيما بينهم على تثبيت الأسعار، إما لرفع السعر و«شفط» جيوب المستهلك، أو خفضه لإخراج صغار المنافسين من السوق!
ولذا، فمهم أن يكون لدينا محاكم اقتصادية تبت في مثل هذه التجاوزات بوتيرة سريعة، تحقيقا لجانب الردع الأساسي في قطع الطريق على كل من تسول له نفسه. ومن جانب آخر، فسيجعل البت في تلك القضايا يأخذ مسارا منفردا يساهم في الزخم المتوقع لتدفق قضايا الاحتكار وحماية المنافسة، نظرا لاشتداد الحماس للتوجه لاقتصادات السوق، ولا سيما الخصخصة، وما يتطلبه ذلك من رفع كفاءة السوق والتي تعد متطلبا لتوسيع دور القطاع الخاص، وضمان البيئة الجاذبة لمستثمرين جدد، وصيانة المنشآت الناشئة والصغيرة والمتوسطة من «الهوامير» التي قد تفتك بها!
والقضية لا تبدأ ولا تنتهي عند «تجار الأرز»، فالممارسات الاحتكارية حدثت ويمكن أن تحدث في أي نشاط اقتصادي، إذا ما سنحت الفرصة للبعض ممن هدفه تعظيم مكاسبه بغض النظر عن أي اعتبار. وإذا أخذنا أن «الرؤية السعودية 2030» والبرامج المنبثقة عنها، ولا سيما برنامج التحول الوطني 2020، وبرنامج التوازن الاقتصادي 2020، تعول على إزالة الممارسات المثبطة لآليات السوق، وبالتالي لكفاءتها، ولا سيما تسهيل دخول وخروج المتنافسين، فإن تقوية منظومة «حماية المنافسة» تصبح قضية ارتكازية، إذ إنها من المتطلبات المسبقة لنجاح تحقيق الرؤية، إذ كيف ستصبح أسواقنا جاذبة وكفوءة إن لم تقدم ضمانات للمستثمرين بعدالة المنافسة من جهة، وبأن آلية السوق في التسعير تعتمد على العرض والطلب في الأساس.
ولبيان هذه النقطة، فإن برنامج الخصخصة يعول في تحصيل 750 مليار ريال حتى العام 2020 نظير الدخول في شراكات مع القطاع الخاص في أنشطة مثل: الرياضة، والكهرباء، والمياه، وصوامع الحبوب. ودخول مستثمرين جدد للسوق، وضخهم لاستثمارات، لن يأتي إلا بضمان بيئة تنافسية وكبح للممارسات الاحتكارية تحديدا، وتحسين بيئة الاستثمار إجمالا.
وستجد من يحدثك عن المنافسة وضمان دخول السوق في كل نشاط، في الاتصالات، وفي توليد الكهرباء، وفي الخدمات المصرفية. وفي هذه الأخيرة شهدنا ما أثاره الإعلان عن التباحث في اندماج بنكين سعوديين، فليس من شك أن الاندماج سيحقق للبنكين وفورات في المصاريف مما يعزز كفاءتهما، وهما بحاجة لذلك لتعزيز وضعهما في السوق، لا سيما أن البنك الأول كان قد سجل خسارة قدرها 249 مليون ريال في الربع الرابع من العام 2016. أما أرباحهما مجتمعة للربع الأول «1,360 مليار ريال» فتضعهما كذلك في المرتبة الثالثة، بعد البنك الأهلي التجاري «2,703 مليار ريال» وبنك الراجحي «2,221 مليار ريال».
ولذا، نطرح السؤال: هل اندماج البنكين أفضل أم أن نجلب للسوق بنوكا عالمية تتشارك معهما أو حتى تتنافس معهما؟ أفضل من منظور من: حملة الأسهم؟ أو كفاءة السوق؟ لا بد أن ينحاز المنظم مع كفاءة السوق، فتلك هي مهمته.