ثقافة السب
السب سلعة رخيصة بلا ثمن في بارز الأخلاق، فيما تشكل سلعة واسعة الانتشار لدى عديمي الأخلاق، فالممارسات الحياتية انعكاس حقيقي لمجموعة السلوكيات الأخلاقية، التي يحملها الانسان ويتحرك للدفاع عنها، بحيث يدفع حياتية ثمنا في سبيل الحفاظ عليها، وعدم التخلي عنها، بمعنى اخر، فان التعرف على اخلاقيات البشر، مرتبط بترجمة المبادئ، التي يحملها على ارض الواقع.
الاختلاف الفكري والثقافي، يمثل وسيلة في الوقوف، على مجموعة القيم الأخلاقية، التي يحملها المتخاصمون، فالمفردات المستخدمة تكشف الكثير من الممارسات، التي يحاول أولئك اخفاءها عن الآخرين، خصوصا وان البعض لا يتورع عن استخدام مختلف الأسلحة، في سبيل تسقيط الطرف المقابل، اذ يكفي قراءة بعض الادبيات، لدى بعض الفئات المتصارعة، للتعرف على حجم الكذب، والألفاظ البذيئة المكتوبة، على صفحات تلك الكتب، فهذه الطريقة في إدارة الصراع، ليست مرتبطة بحقبة زمنية سابقة، بل تشمل العصر الحديث.
إمساك اللسان عن استخدام المفردات السيئة، عامل أساسي في فرض الاحترام على الطرف الاخر، خصوصا وان الخصم يراقب بدقة جميع ما يصدر في أوقات الصراع، من اجل تسخيره في المعركة القائمة، الامر الذي يستدعي استخدام الوسائل الشريفة، في إدارة الصراع، ”أني اكره لكم ان تكونوا سبابين“، بمعنى اخر، فان الطرف المقابل سيجبر على الالتزام بقواعد اللعبة، وعدم الخروج عن المألوف، مما يجعل الخصومة ضمن الإطار الأخلاقي المرسوم.
القران الكريم وضع حدود صارمة، في طريقة التعاطي مع الخصوم، بحيث رسم خطوط حمراء في إدارة الصراع مع العدو، اذ حذّر من الانزلاق وراء استخدام، السب او التعدي على الآخرين بطريقة او بأخرى، ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، بمعنى اخر، فان الطريقة السليمة في إظهار الحق يكون باستخدام الدليل والحجة القوية، نظرا لقدرة الكلمة الصادقة على التأثير، فيما تمثل الكلمات النابية وسيلة للنفور، وخسران معركة الانتصار للحق.
يلجأ البعض لاستخدام المفردات السوقية، مع الافتقار الى الحجة والقدرة على الاقناع، مما يدفعه للبحث عن وسيلة لتفادي الهزيمة، اذ يمثل السب الطريقة الاسهل لمحاولة تسجيل انتصارات وهمية، سواء لإرضاء الذات نوع من الانتقام، او لمحاولة إيصال رسالة لأطراف أخرى، بقدرته على التنازل عن القيم، بمجرد الوصول الى طريق مسدود.
امتلاك الحجة الدامغة يشكل مانعا أخلاقيا، لتبادل السب مع الطرف الاخر، اذ يحاول الطرف الأضعف استخدام اللغة السوقية لاتخاذ سبيل اخر، بيد ان القدرة على قراءة الغايات المرسومة لاستخدام السب، بمثابة طوق النجاة وعدم الغرق في وحل اللغة السوقية، خصوصا وان التخلي عن القيم الأخلاقية، يفقد صاحب الحق القدرة على كسب المزيد من الأنصار، فالمرء يستطيع اختراق القلوب القاسية، بما يمتلك من قدرة على الصمود، في وجه مختلف أنواع الأذى المادي والمعنوي.