آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:07 ص

زمن ما بعد الصحوة أم ما بعد الحداثة!

محمد الحرز *

يذكرني مصطلح زمن ما بعد الصحوة بمصطلح آخر، وهو زمن ما بعد الحداثة، رغم أن المصطلحين لا يشتركان في المعنى الذي يشيران إليه، لا من جهة الفكر ولا من جهة المجتمع. فالأول يتم تداوله بين أوساط النخب المثقفة وخطاباتها المختلفة في السعودية على اعتبار أنه يصف حالة التحول التي طالت حركة الصحوة ورجالاتها منذ الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم. 

فبعد التشدد والانغلاق والخوف من الانفتاح على ثقافة الآخر، جاء العقد الثاني من الألفية الثانية يشهد في ثناياه حلحلت هذه الأمور جميعا، وتطورا باتجاه الانفتاح وتقبل ثقافة الآخر، وهذا ما يتضح في اثنين من أشهر رجالاتها الشيخ سلمان العودة وعايض القرني. 

لكن السؤال الذي أود طرحه هنا: هل يكفي تعميم المصطلح ”زمن ما بعد الصحوة“ على المجتمع في السعودية بمجرد ما لا حظنا من تحول في خطاب رموزها؟! أعتقد الإجابة بنعم، والسبب في أهم مفاصله يعود إلى قوة الرأسمال الرمزي والثقافي الذي امتلكوه، ناهيك عن القوة الذهنية التي تجسدت في شخصياتهم، مما اتاح لخطابهم التأثير في شرائح كثيرة اجتماعيا وثقافيا. 

أما ما يخص المصطلح الآخر ”زمن ما بعد الحداثة“ فلا أظن أني بحاجة للوقوف عند طويلا، فبحكم شهرته الواسعة الذي يغطي معناه في العلوم الإنسانية الاجتماعية الكثير من تحولات مجتمعات العالم، وبحكم ارتباطه أيضا بمفهوم آخر هو العولمة، فإن الحديث عنه فكريا أو اجتماعيا يخرجنا عن مسار هذه المقالة. 

لكني سأركز فيما يلي على النظر في المراجعات النقدية التي أعطت تفسيرا عميقا لظواهر التحولات الاجتماعية الفكرية مما سمح لهذه الفئة من الباحثين أو تلك أن يتبنوا هذا المصطلح أو ذاك. وسأعطي بعض الأمثلة الآن.

حين صعدت النازية والفاشية ما بين الحربين العالميتين على مسرح السياسة الأوروبية عن طريق الديمقراطية التي كان ينظر لها بأنها إحدى أيقونات المنجز الفكري الأوروبي، ومن ثم سيطرت على مفاصل القوة في أوروبا. بدأ الفكر الأوروبي يشعر بالأزمة، وأن إرثه التنويري على المحك. 

من هذا المنطلق برزت مشاريع فكرية تتناول الأزمة وفق مرجعيات مختلفة في العلوم الإنسانية والفلسفية، البعض منها وجد ضالته في نقده للعقل الأداتي التقني «مدرسة فراكفوت»، والآخر وجدها في السلطة البيروقراطية والعلمنة «ماكس فيبر» والبعض في الثقافة الجماهيرية التي حولت المجتمع إلى مجرد مستهلك مثله مثل السلعة بما سمح لبروز الديكتاتورية والنازية في أوروبا «ماكدونالد». 

طبعا هذا التنوع في الفهم والحلول كان يقع بالمجمل تحت تأثير النقد الماركسي للرأسمالية. هذا الإرث المتواصل هو لمحة موجزة عن بعض تلك المراجعات النقدية التي بررت للقول بمصطلح ما بعد الحداثة من وجهة نظر الحقل السيسيولوجي. 

بينما المراجعات النقدية فيما يخص زمن ما بعد الصحوة، لم تنفصل فيه الذات عن موضوعها، وهذا يعني بالدرجة الأولى عدم الفصل - في نقد الظاهرة - بين الأفكار والسلوك التي تنتمي إلى دائرة الشخص من جهة، وبين الأفكار والسلوك التي تنتمي إلى الدائرة الاجتماعية من جهة أخرى، وهذا بطبيعة الحال ناتج عن انقطاعات في التفكير، ليس هنا محل النظر فيها.