ضعف التدين
ورد عن رسول الله ﷺ: «إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُبْغِضُ الْمُؤْمِنَ الضَّعيفِ الَّذي لادينَ لَهُ، فَقيل َ: وَ ما الْمُؤْمِنُ الضَّعيفُ الَّذي لا دينَ لَه؟ قالَ: اَلذّي لا يَنْهي عَنِ الْمُنْكَرِ» «وسائل الشّيعة ج 16 ص 122».
الدين هو مجموعة قيم وسلوكيات يلتزم بها المرء ويحافظ عليها، كما أنه يعتقد جزما بأنها تمثل سبيل النجاة والسعادة في الدارين، فالتكامل السماتي الذي ينشده الإنسان وينعكس على جميع أبعاد حياته هو تطبيق لتلك المبادئ على أرض الواقع، وقناعته بتلك الأفكار في بعدها العلمي والعملي لا يخضع للأهواء أو العواطف العمياء، بل هي تصورات تستند إلى دليل يدعمها ويوثقها لتكون بصيرة هدى ورشاد له في معترك الحياة وأبعاد علاقاته المختلفة، بحيث أن حديثه وتصرفاته تظهر تلك العقيدة التي يؤمن بها ويخضع لها.
وأما من لا دين له فهذا يشمل عدة أشخاص بحسب جهة افتقادهم للمظاهر الدينية في فكرهم وسلوكهم، فتارة نعبر عمن يتجاوز الخطوط القيمية في حديثه السليط والبذيء وسلوكه العدواني وعلاقاته المتشنجة بالخلافات التي يصطنعها بسبب انفعالاته وأسلوبه الممجوج، فإذا رأيت منه تطاولا وظلما لأحد فيقال عنه بأنه لا دين له، إذ فحوى القيم الدينية هو تهذيب النفوس وتطهيرها من أغلال الأحقاد والأهواء والالتصاق بالقبائح والمعايب، وأي تجاوز وتعد لها بنحو مستمر يعبر عن حالة من التمادي والتجرؤ والطغيان فهذا يعني أن ذلك الشخص لا دين له يحجزه عن المحرمات.
وهناك من لا دين له لا لنزعة الشر والعدوانية عنده، بل بسبب جهالة وتكاسل فكري أقعده عن البحث عن نهج السلامة والطمأنينة في الحياة، ولذا تراه ينعق مع كل ناعق ويتصرف تصرفات لا عقلائية وغير مقبولة، لا بغي وإصرار منه ولكنه مقصر في البحث عن حقائق الأمور ومسالك النجاة، فيقال عنه لا دين له بسبب الغيبوبة الفكرية عنده.
وأما المؤمن الضعيف الذي لا دين له فهو صاحب فكر نير يعرف من خلاله أسس عقائده ومفرداته بعد أن تحرك وفق البحث الاستدلالي الذي أورثه طمأنينة وثقة بما هو عليه، كما أنه صاحب تدين سلوكي يبرزه التزامه بعباداته ومعاملاته الشرعية، وأما موطن الخلل الإيماني عنده فناجم عن ضعف نفسي وخوف دائم مما يترتب على قيامه بالدعوة إلى الصلاح والمعروف، فلا يتحمل مسئولية الدب عن الحرمات ونهي الآخرين عن مقارفة الموبقات أمام مرآه ومسمعه ولو بأدنى الدرجات، وهذا التهاون والتكاسل يورثه انسلال الحوزة الإيمانية والفيض النوراني الذي يتمتع به، فتنقشع تلك الطهارة الروحية منه وتتلاشى شيئا فشيئا حتى يسلب منه روح التدين، ويبقى حاملا لطقوس جوفاء لا معنى لها، فالصلابة الإيمانية تجعل من المرء فارضا وجوده التديني بكل أبعاده بدون صلافة، بل بروح الحوار والدعوة بالحكمة للحق وأساليب النقاش الهادئة التي تبين فداحة ومخاطر الانحراف والانحلال في جميع مجالاته.