ثقافة الفتنة
تمثل الفتنة امتحانا صعبا، ينجو منها بعضا، ويسقط في أتونها قسما اخر، فالاختيار في أوقات الفتن امر بالغ الأهمية، نظرا لاختلاط الخيط الأسود بمثله الأبيض، مما يجعل عملية تمحيص الحق من الباطل، ليست متاحة للجميع، حيث تمارس في اوقات الفتن مختلف انواع التظليل والباس الحق بالباطل، الامر الذي يجعلها أشد من القتل، ”الفتنة أشد من القتل“.
تختلف مسببات اثارة الفتن في المجتمع، فهناك عوامل مرتبطة بالاطماع الشخصية، وهناك مسببات ذات علاقة بالعوامل الخارجية، بمعنى اخر، فان الوقوف على الأسباب الحقيقية يشكل عنصرا أساسيا في القدرة، على القضاء على تلك الفتن، فيما يؤدي الانخراط في لعبة الفتن في تفاقمها، وانتشارها بشكل كبير، وبالتالي فان طريقة التعاطي مع الفتن تحدد مسارها، والسقف الزمني لاجتثاثها من الجذور، وبعبارة اخرى، فان المجتمع الذي يستجيب طواعية دون وعي للمشاركة، في امتحان الفتن، يمهد الطريق لتثبيت اخر مسمار في حياته، بينما يكتب المجتمع الرافض للاستجابة، لنداء الفتن عمرا طويلا، في مسيرته التنموية، ”كن في الفتنة كابن اللّبون لا ظهر فيركب، ولا وبر فيسلب، ولا ضرع فيحلب“.
الفتنة مرض خطير، يصيب جسم الأمم بالضعف والهوان، مما يحدث انقساما كبيرا، ويوسع الشرخ في الصف الواحد، بحيث تصبح الكيانات الممتحنة بالفتن، مطمع للآخرين للانقضاض عليها، نظرا لغياب القدرة على التصدي للغزو الخارجي، جراء وجود فراغات كبيرة تسمح بالاختراق، وبالتالي فان عملية القضاء على الفتن، مقدمة لرص الصفوف، والتصدي للأطماع الخارجي، ”فر من الفتنة كفرارك من الجذام“، اذ تمثل الفتنة مرضا عضالا يصعب القضاء في بعض الأحيان، مما يستوجب الاجتناب ومحاولة النأي بالنفس، عن الانغماس في مياها العكرة.
امتلاك الوعي في التعاطي مع الفتن على اختلافها، بمثابة طوَّق النجاة، فالواعي يدرك منذ الوهلة الأولى، خطورة صب الزيت على نار الفتنة، مما يدفعه لمحاولة تطويقها ضمن نطاق ضيق للغاية، ”الشر يعم الجميع“ كما يقال، مما يضاعف الاثار السلبية على الكيان الاجتماعي، الامر الذي يفسر حرص أصحاب الوعي، لوأد الفتن في مهدها، قبل بروزها كمرض يصعب السيطرة عليها، من خلال القيام بمعالجة أسباب ظهور الفتن، والسعي الجاد لإيجاد الحلول المناسبة، خصوصا وان السكوت يوفر المناخ، لنمو شجرة الفتن في المجتمع، مما يشكل صعوبة في انتزاعها، بعد تثبيت جذورها في الثقافة الاجتماعية.
وجود عناصر واعية قادرة، على تمييز الخبيث من الطيب، يشكل صِمَام أمان للمجتمع، حيث تلعب تلك العناصر دورا في الإمساك، بمشعل الضياء لقيادة الشرائح الاجتماعية، الى طريق النجاة وعدم الوقوع في فخ الفتن، خصوصا وان الأطراف المثيرة للفتن، تحاول خلق مشاكل لأحداث، تصادم دائم في المجتمع الواحد، من تحقيق مآرب وغايات متعددة، بعضها مرتبط بالانتقام، او البعض الاخر لتنفيذ اجندات خارجية، مما يستدعي من النخب الواعية، التدخل لتفويت الفرصة، على الاحتراب الداخلي، نظرا لتداعياته الخطيرة على الجميع، اذ لا يوجد منتصر في أوقات الفتن، فالخسارة تشمل الجميع دون استثناء.