العمل التطوعي بين نقدين
بات من المألوف في قطيفنا الغالية رؤية الحملات الإعلامية المحمومة عبر وسائل الاتصال الحديثة المتمثلة في الواتساب والفيسبوك وتويتر وغيرها ضد القائمين والعاملين في الأعمال التطوعية باسم النقد.
لا شك ولا ريب بأن النقد البناء والهادف موضع ترحيب من كل ذي لب باعتباره ظاهرة صحية تسهم في رقي وتطوير العمل حيث يعمل على تحديد مسار العمل في المستقبل وتصويبه وتعديله وتحويره إن احتاج لمثل ذلك فضلا عن كشفه عن النقاط الإيجابية لدى العاملين مما ينبغي تعزيزها والنقاط السلبية لتلافيها.
والنقد هو جزء من تقنية المتابعة التي يحرص المسؤولون في أية منظمة على الاستفادة منها في تقييم المخرجات.
وليس بخافٍ على أحد ضرورة النقد لأي عمل، فاستمراريته وديمومته متوقف على النقد، إذ بتشخيصه نقوم المعوج ونرتق الفتق. فهو الدماء التي تجري في عروق وشريان العمل التطوعي.
والمراجعة النقدية ومحاسبة النفس حفلت بها النصوص الدينية إلى حد الاستفاضة:
- يقول الرسول ﷺ: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا».
- يقول الإمام علي بن أبي طالب : «أكيس الكيسين من حاسب نفسه».
- يقول الإمام الكاظم : «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم».
وأعتقد جازماً بأن معظم العاملين في حقل العمل التطوعي - الذين سخروا كل جهدهم وإمكانياتهم وطاقاتهم وأوقاتهم وأموالهم لتحمل مسؤولية اجتماعية دون مقابل ينتظرونه - يضعون هذه النصوص نصب أعينهم في كل خطوة يخطونها وفي كل حركةٍ يتحركونها.
والحديث عن النقد يدفعنا للتنبيه إلى أمر هام ألا وهو: أن النقد سلاح ذو حدين إن أُحسن استخدامه بات أداة بناءٍ وتطوير وإن أسيء استخدامه بات معول هدم.
فنحن بأمس الحاجة إلى النقد البناء الهادف الذي يسهم في تطوير العمل ويسير به نحو الإتقان والإبداع والإنجاز، لا النقد الذي يأخذ بعداً شخصياّ قوامه التسقيط والتشكيك في نوايا العاملين والتهوين من شأنهم ومقامهم والمس بسمعتهم وكرامتهم.
وعلى هذا ينبغي علينا التفريق بين من يملك حساً نبيلاً وحباً للقطيف وحرصاً على منجزات الأعمال التطوعية، فرأى من واجبه تقديم أطروحاتٍ ورؤى نقدية ذات جدوى لا تمس بكرامة وسمعة أحد، وبين شخص مستفيد من مظلة النقد لتفريغ جميع الشحنات السلبية لديه تجاه العاملين.
أقول بكل حب وصدق: لا ننتقد فقط من أجل النقد دون التفكير في العواقب فالنقد الجارح غير البناء الذي ليس في محله له عواقب وخيمة:
- يفسد العلاقات الاجتماعية.
- يثبط العزائم ويقتل الحماسة والاندفاع للعطاء.
- عزوف أفراد المجتمع عن المشاركة في الأعمال التطوعية.
- خسارة المجتمع للطاقات والمواهب التي بأمس الحاجة إليها.
- وأد المبادرات التطوعية.
وأهمس في أذن كل محب للقطيف ألا تغيب عن باله بأن كل مبادرة تطوعية تطرح تزف بشرى بمستقبل واعد لنا وللأجيال القادمة فلنعمل على تشجيعها بدلًا من وأدها. وكل عمل تطوعي ناجح هو لمسة وفاء تجاه هذه الأرض الطيبة وأهلها وإضافة نوعية لها.
ومن نعم الله علينا أبناء هذه الأرض الطيبة أن العمل التطوعي فيها أشبه بشجرة باسقة تزداد فروعها بين حين وحين فلم تقتصر على فرع واحد بل لها فروع عدة «علمي - ثقافي - فني - رياضي - تراثي فلكلوري» وجميعها تصب في إبراز مواهب أبناء وبنات قطيفنا المعطاءة المتميزة المبدعة المنجزة.
وبناء الإنسان القطيفي وتشجيعه وصقله ووضعه على خارطة المبدعين، هي أهم عنصر في قائمة أهداف العاملين على مثل هذه الأعمال والمشاريع التطوعية.
ومن الحقائق الماثلة في الأعمال التطوعية، جائزة القطيف للإنجاز، مبادرة مستقبلي، مهرجان الدوخلة، ومهرجان الوفاء بسيهات، وكافل تاروت الرياضي، والزواج الخيري الرياضي، ومبادرة يوم بر الوالدين ونحو ذلك من المناشط التي لا يسع هذا المقال تتبعها.
وفي هذا المقام لا أغفل دور المرأة القطيفية التي لها في كل حقل بصمة مميزة يشيد بها القاصي والداني. وأوجه جزيل شكري وعظيم تقديري لكل عامل في أي مشروع تطوعي مهما ضؤل دوره أو كبر.
وقبل أن أختم مقالي رأيت من الواجب علي ذكر من يستحق الثناء على جهوده وتضحياته لإنجاح جائزة القطيف للإنجاز ابن القطيف البار الأكاديمي الدكتور فؤاد محمد السني رئيس لجنة تحكيم الجائزة الذي لم يبخل بجهده وتوجيهاته ورؤاه ووقته وصحته في الوقت الذي هو بأمس الحاجة إلى الراحة التامة. إذ بصنعه هذا رسم للأجيال الشابة لوحة جميلة رائعة قوامها التضحية والإيثار. نعم هو حقا أنموذج يحتذى.