ثقافة الإصلاح
عملية الإصلاح الاجتماعي، تتطلب مقومات خاصة للقيام، بالرسالة على الوجه الأكمل، خصوصا وان النهوض بهذه المهمة الجليلة، يستدعي توطين النفس على مواجهة الكثير من العراقيل، خصوصا وان مواجهة الثقافة السائدة من المهام الكبرى، الامر الذي يفسر تصدي عناصر قليلة لعملية الإصلاح الاجتماعي، نظرا لما تنطوي علية عملية احداث شامل في الثقافة الاجتماعية، من مخاطر كبيرة على المصلحين، بحيث تصل الى مستوى الاغتيال المعنوي، والجسدي في أحيانا كثيرة، فالتاريخ يتحدث عن عمليات قتل للكثير من الأنبياء، على خلفية رفض تلك الأقوام للدعوات، التي يحملها الرسل لإنقاذ تلك الأقوام، من الضلال الى جادة الصواب.
الايمان بالقضية، والقدرة على مواجهة التهديدات، التي يعترض لها المصلحون، من العوامل الأساسية في تحقيق اختراقات حقيقية، في الجدار الاجتماعي، خصوصا وان الإرادة الصلبة، بمثابة الوقود الذي يعطي القدرة، على مواصلة الطريق، اذ يحاول الطرف المقابل ادخال اليأس، والإحباط في نفس المصلح، من خلال بث الإشاعات لكسر الإرادة بشكل أساسي، والوقوف امام كافة المحاولات، لاستقطاب بعض العناصر، اذ يسعى المعارضون لإيجاد حواجز معنوية ومادية، تحول دون التواصل مع المجتمع، ﴿وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون﴾.
تغيير القناعات الاجتماعية، او المعتقدات الثقافية، او الأفكار المتوارثة، عبر الأجيال من المهام الصعبة، خصوصا وان عملية القبول بالأفكار الجديدة، تتطلب جهودا كبيرة وتضحيات، ليست متاحة للجميع، فالأخطار المحدقة بالمصلح كبيرة للغاية، والتي تتمثل في الاغتيال المعنوي عبر بث الشائعات، التي ترتكز على الحياة الشخصية، بهدف احداث حالة من الإحباط في النفس، ”ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ“، كما ان المعارضة لا تقتصر على الجانب المعنوي، حيث تتطور المواجهة المباشرة، بين الطرفين للوصول الى التصفية الجسدية، لاسيما بعد فشل جميع محاولات تلك اسكات الأصوات، او رفض الأنحاء امام كافة المغريات، الاقتصادية والسياسية، ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾.
الرغبة في الإصلاح الاجتماعي، ليست كافية للنجاح بدون وجود برنامج متكامل، قادر على احداث ثورة شاملة، في الكيان الاجتماعي، بالإضافة للقدرة على نشر البرنامج بطريقة مبسطة، وبعيدا عن التعقيد، فضلا عن التعاطي، مع مختلف الطبقات الاجتماعية على قدم المساواة، فالافتقار لهذه الأمور يحول دون القدرة على احداث اختراقات حقيقية، مما يعني الفشل الذريع في مواصلة مشوار المشروع الإصلاحي.
التاريخ يتحدث عن الطرق المتعددة، التي مارسها كفار قريش مع بني الرحمة ﷺ، خلال نشر دعوة الإسلام في مكة، اذ حاول المشركون ممارسة حصار اجتماعي، وسياسي واقتصادي، للحيلولة دون تواصل الرسول الاكرم ﷺ، سواء داخل المجتمع المكي، او خلال مواسم الحج، اذ يمثل الحصار الاقتصادي في شعب بني طالب، أبرز تلك الأساليب في التعاطي مع الرسالة الإسلامية، حيث استمرت المقاطعة الاقتصادية نحو ثلاث سنوات.