الحب.. البعد المفقود
لقد تمكن الإنسان من وضع أول رجل على سطح القمر، وقام بتحديد الجينوم البشري، واستطاع أن يكسر سرعة الصوت، وتوصل إلى تقنية النانو والاستفادة من خصائصها المتعدة كالقوة وخفة الوزن وزيادة التحكم. للأسف بقي الحب لغزًا حير العلم والعلماء من أن يتوصلوا لشرحه أو تنبؤه على كثرة ما تغنى به الشعراء والأدباء على مر الأيام والسنين.
أكثر ما يحبطنا كبشر هو عدم قدرتنا الكاملة على الاحتفاظ بالحب. فكلما اعتقدنا بأن الحب بات في قبضتنا، نراه ينزلق بين أصابعنا كما تنزلق حبات الرمل. لم يعد بناء الحب سهلًا كبناء المنزل وهندسة الشوارع أو حتى إعداد الفطائر في المطبخ. الحب للأسف لا يمكن تصنيعه ولا حتى شراؤه أو تداوله.
نحن جميعًا معرضون لأن نقع في حُب أشياء كثيرة من حولنا، وبقليل أو كثير من الجهد والمال والوقت نتمكن في الأخير من الحصول على تلك الأشياء. استخدام مفردة ”الحب“ مع الأشياء التي يسهل الحصول عليها، يجعل الكلمة تبدو آمنة، لأننا لا نواجه رفضًا أو معارضة. لكن في المقلب الآخر وعندما نختار أن نشارك حياتنا أو جزءًا منها مع الآخر نشعر بضعف قدراتنا الدفاعية، علاوة على احتمالية تعرضنا للأذى.
أن تفتح قلبك لشخص آخر يعز عليك وتُواجَه بالرفض، لواحدةٌ من أكثر التجارب إيلامًا وأشدها وقعًا على النفس. هذا النوع من الألم هو أمضى من ألم الجسد لأنه يهز الأعماق ويفتك بالأحلام والآمال. الفراغ واليأس هما أقل ما يمكن أن يصل لهما هذا المحب، بعد أن أصيبت هويته وقيمته المعنوية في مقتل.
الدنيا لا تخلو من مُسوقي الأفكار، الذين يزرعون الوهم في عقول الناس. فمن الأفكار التي يُروجُونها وهي كثيرة، ومن باب المثال لا الحصر، فكرة أنه لو بإمكانك أن تكون أكثر جاذبية، أو أن يكون هندامك الذي ترتديه أكثر أناقة، أو أن تكون أقل بدانة. أفكار ووعود واهمة يدعي مروجوها بأنها تؤدي إلى الحب، للأسف كل تلك المحاولات هي من قبيل من يرسم الأحلام على الماء ثم يقدمها للآخرين على أنها أكسير الحياة.
الحب الحقيقي لم يكن في يوم من الأيام يعني الرومانسية أو العاطفة، بقدر ما هو تعبير عن الصراحة والقيمة التي نضعها لتلك العلاقة. الحب ببساطة هو عملية البحث عن أساس متين يمكّننا أن نبني عليه حياتنا، وأن نضع فيه ثقتنا وآمالنا.
الحب الغير مشروط، هو ذلك البُعد المفقود في حياة الكثير من الناس. للأسف، نحن نعيش اليوم ضمن ثقافة تقيس استمرار أي علاقة بقدر ما يُرتجى منها من منفعة. فارتباط الزوجين اليوم صار رهين المنفعة الشخصية، التي ينتظرها كل طرف من الآخر. لا حديث عن الحب دون تدخل المصالح، وهذا حب مشروط، وإن دام فبقائه مُرتبط باستدامة المصلحة.
يقاس نجاح العلاقات من خلال حاجة الأفراد لممارسة غريزة الحب. لكن دعنا نسأل، لماذا بعض الناس قادرين على البقاء معًا لعقود من الزمن، في حين أننا نشهد اليوم انهيارًا كبيرًا لأكثر العلاقات ولأتفه الأسباب. فهل أُصيبت الناس في غرائزهم، أم أنه داء العصر الذي يتمثل في كل ما هو مادي، وقدرته على الفتك بقيّم الإنسان المعنوية.