آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

ثقافة الاولويات

محمد أحمد التاروتي *

عملية التعاطي مع الملفات، والقضايا الحياتية، مرتبط بمدى الاهمية التي تكتسبها، سواء بالنسبة لانعكاساتها على الواقع المعاش، او نتيجة نظرة اصحاب الشأن، فالعملية مرتبطة بمجموعة مؤثرات، بعضها جذري، وبعضها ثانوي، في وضع بعض الملفات في المقدمة، والبعض الاخر في المؤخرة على الدوام، وبالتالي فان سلم الاولويات، يختلف من شخص لاخر، وكذلك من مجتمع لاخر، ففي الوقت الذي يمثل المعطى المعيشي اولوية، لدى مجتمعات بشرية، فان العنصر الامني يمثل هاجسا كبيرا، لدى بعض الكيانات الاجتماعية الاخرى.

تحديد الملفات الهامة، امر بالغ الاهمية، في وضع الحلول المناسبة، خصوصا وان محاولة المرور الكرام، على بعض القضايا الشائكة، والتحرك باتجاه معالجة الملفات الصغيرة، مما يعطي نتائج عكسية على الصعيد الاجتماعي، لاسيما وان محاولة تفكيك طلاسم المشاكل الكبرى، يفتح الطريق امام وضع نهايات سعيدة، لبعض القضايا الصغيرة، نظرا لترابط الملفات بعضها البعض في احيانا كثيرة، مما يستدعي وضع جدول زمني، لدراسة ابرز الملفات المستعصية، لمحاولة وضعها على طاولة التشريح، لاعادة رسم ملامحها مجددا.

تشكيل اللجان المتخصصة، لتحديد الاولويات امر مطلوب، خصوصا وان عملية الاحاطة بجميع القضايا، من الصعوبة بمكان، الامر الذي يتطلب وجود عناصر قادرة، على وضع الامور في نصابها الحقيقي، بيد ان المشكلة في اختيار العناصر المؤهلة، والقادرة على معالجة الملفات، بشكل صحيح، لاسيما وان التجارب لا تبشر بالخير، فيما يتعلق بقدر بعض اللجان، على السيطرة على الملفات الشائكة، بقدر ما ساهمت في زيادة التعقيد، نظرا لوضعها ”العصا في العجلة“، الامر الذي يستدعي التحرك وفق رؤية واضحة، دون الالتفات الى العراقيل، التي تضعها بعض الاطراف السلبية، مما يؤدي في نهاية المطاف، الى الاختيار المناسب للمشاكل القائمة.

الاحساس بالمسؤولية، للتحرك باتجاه مواجهة المشاكل، وعدم الالتفات لسياسة ”التغاضي“، عنصر اساسي في زرع ثقافة الاولويات، لدى المجتمع، فالثقافة اللامسؤولة مرض عضال، يشل المجتمع عن القيام بدوره، في معالجة او محاولة الوقوف، امام بعض الملفات الكبرى، وبالتالي فان الاحساس بالمسؤولة، تجاه قضايا المجتمع، يدفع بالاتجاه الصحيح، فوجود المحرك الداخلي لدى المجتمع، يمثل احد العوامل الاساسية وراء وضع جدول حقيقي، لقياس مدى اهمية بعض القضايا، على غيرها من المشاكل الاخرى.

ضياع بولصة الاولويات، ينعكس سلبا على الحركة التنموية، فالاولويات ليست مقتصرة، على الجوانب المالية او الثقافية، بل تشمل كافة الملفات، سواء الاقتصادية، او السياسية، او الثقافية، حيث يحاول البعض القفز على الاولويات، ومحاولة الوصول الى القمة، دون معالجة المشاكل التي تعترض الطريق، مما يؤدي الى فشل ذريع، في تحقيق تلك الاهداف، وبالتالي استنزاف الكثير من الوقت، وهدر الطاقات، وضياع الاموال، دون القدرة على الاستفادة، منها بالصورة المطلوبة، اذ يمكن قراءة اختلافات الاولويات، في مستوى التقدم، الذي حققته بعض الشعوب، على المستوى العالمي، فالعالم العربي ما يزال يحبو، للوصول الى طريق العلم، والتقدم التكنولوجي، فيما الامم الاخرى، اكتشفت طريق التقدم مبكرا، من خلال اعادة صياغة العملية التعليمية، بما يتوافق مع التطورات العالمية.

كاتب صحفي