تطوير منظومة التعليم ضرورة الراهن!
هناك علاقة جدلية متداخلة ما بين التعليم، والمجتمع من جهة، ومفهوم التنمية بكافة أبعادها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
ويمكن القول إن طبيعة ومحتوى المنظومة التعليمية التربوية، تحدد إلى درجة كبيرة رهانات الواقع الاجتماعي وآفاقه المستقبلية، خصوصا أننا بتنا نعيش عصر التحولات العاصفة والسريعة في ظل عولمة عاتية «بما لها وعليها». لا نملك خيار وترف الانزواء والانكفاء والتخلف عن ركبها، لأن ذلك يعني ببساطة الحكم بالخروج من التاريخ والحضارة وروح العصر، وما يعتمل فيه من تطورات عاصفة، وتغيرات سريعة في ميادين الإنتاج والعلم والمعرفة والتقانة، ونمو مذهل في ثورة الاتصالات، والمعلومات التي أحالت مفهوم الحدود والسيادة والرقابة التقليدية إلى جزء من عاديات التاريخ، حيث تحول العالم إلى قرية كونية صغيرة، وتحولت القرية إلى عالم مصغر.
وبالتالي ليس هناك من مفر أمام كافة المجتمعات وخصوصا مجتمعات البلدان النامية ومن بينها المجتمعات العربية، التي لا تزال متخلفة بشكل كبير عن ركب التطور العالمي، سوى الاندماج فيه وتحسين شروطها ضمنه، من خلال تحفيز وتطوير كل الإمكانيات الذاتية والموضوعية المتاحة لردم الفاصلة الحضارية، وتحسين موقعها ودورها.
ومع أهمية دور العامل السياسي في المجتمعات النامية لجهة رسم الطريق والسياسات العامة، وتحديد وجهة السير، وترهين الخيارات المختلفة لتحقيق الأهداف الموضوعة.
غير أن أحد المداخل الرئيسية، كما أكدت ذلك الدروس والخبرة السابقة والتجارب الراهنة في البلدان المتقدمة، وحديثة التطور. وما تقرره أدبيات التنمية المستدامة بمفهومها الواسع والشامل، يتمثل في مركزية ومحورية منظومة التعليم والتربية، مع ما يحيط بها من تحديات، ويكتنفها من تعقيد، وتشابك مع منظومات «كابحة أو دافعة» اجتماعية وثقافية، ومدى مواءمة مدخلاتها، بسبب كثافة التداخلات بين عناصرها الداخلية الأساسية، التي تشمل البنية التحتية «مبان ومرافق وتجهيزات» والمعلم، والطالب، والمنهج، وأساليب التدريس، والإدارة والتخطيط، ومراكز البحث العلمي.
تفيد تقارير التنمية البشرية العربية المتعددة على مدى سنوات، بأن البلدان العربية «مع بعض الاستثناءات القليلة» تأتي في ذيل قائمة دول العالم على هذا الصعيد، أو أنها متقدمة قليلا في بعض المجالات على بعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء.
فالأمية لا تزال مرتفعة، ويعاني منها قرابة 70 مليون عربي ثلثاهما من النساء، ناهيك عن الأمية الرقمية «معرفة تقنية واستخدام الحاسوب».
لقد عقدت العديد من المؤتمرات والندوات العربية بمشاركة وزراء التربية والتعليم، ونخبة من أبرز الباحثين والاختصاصيين العرب في هذا المجال، لمناقشة أهم التحديات والمعوقات التي تقف عقبة أمام تطوير المنظومة التعليمية/ التربوية، وتوصلوا إلى أن أزمة المجتمعات العربية المتفاقمة في جوهرها أزمة تربوية.
وجرى تسليط الضوء على واقع التعليم الراهن، ومشكلاته، وآفاقه في العالم العربي، من خلال معطيات وإحصائيات «امبريقية» كما توصلوا إلى استنتاجات واستخلاصات دقيقة، وخرجوا بتوصيات وقرارات مهمة.
غير أنه للأسف حفظت في الثلاجة، ولم ترَ غالبتيها طريق التنفيذ، وذلك لأسباب وعوامل مختلفة.
لا شك أن تولي شخصية علمية وأكاديمية متميزة في بلادنا، وذو خبرة ومعرفة عميقة، وآراء إصلاحية جريئة في المجال التعليمي/ التربوي، وهو الدكتور أحمد العيسى لوزارة التعليم سيعطي دفعة قوية على صعيد تطوير المنظومة التعليمية، دون أن نغفل الصعوبات والتعقيدات والكوابح البيروقراطية والأيدلوجية.
وقد تجسدت آراؤه الإصلاحية في كتبه ومقالاته ومن أبرزها «إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية» وكتاب «التعليم العالي في السعودية: رحلة البحث عن هوية».
وقد سبق أن استضافته «ديوانية الملتقى الثقافي» في منزلي قبل عدة سنوات، ومن خلال ورقته التي قدمها، وعبر إجاباته على التساؤلات والمداخلات، تلمس الحضور مدى عمقه المعرفي والمهني وإخلاصه الوطني وتطلعه الصادق لتطوير المنظومة التعليمية.