لهذا هُزمنا!!
قلّما أذهب لمشاهدة مباراة رياضية في الملعب، ولكنني حينما ذهبت هذه المرة خسر فريقي خسارة مؤلمة كانت كافية لإضعاف حظوظه في الفوز ببطولة كرة اليد للشباب، شاركت الجمهور التشجيع بحرارة وقفزت أكثر من مرة وارتفع صوتي في لوم من يضيِّع الهجمات السهلة كحال الجميع، ولكنني أخيراً وجدت خسارة فريقي منطقية قياساً على الأداء الباهت. أكثر ما لفت نظري في الجمهور هي النسبة الأكبر التي كانت تبحث عن مبررات للهزيمة بعيداً عن سوء الأداء، وغالباً ما تكون تلك المبررات لها علاقة بالحكم، الحكم كان ظالما!!! الحكم هو عدو لدود للنادي!!! الحكم يستفز اللاعبين لكي يعاقبهم!!! ضمن هذا السيل الكبير قلما تجد من يتحدث عن التقصير من جهة الجهاز الإداري والفني واللاعبين، هذا العقل التبريري هو - مع الأسف - العقل السائد في معظم بلادنا العربية وفي كافة المجالات، عدم الاعتراف بالخطأ هو بذاته المشكلة الأهم التي نعاني منها، وما لم نخرج من هذا الصندوق الوهمي الذي سجنا فيه أنفسنا سنبقى أبد الدهر غير قادرين على التقدم.
الفاجعة المؤلمة التي أصابت الشعب المصري باستهداف الإرهاب كنيستَي مارجرجس في مدينة طنطا ومارمرقس في مدينة الإسكندرية، وأسفرت عن مقتل 49 شخصاً على الأقل وإصابة 120 آخرين هي فاجعة تعبِّر عن حجم الكراهية المتغلغل في صدور هؤلاء الإرهابيين، الذي يعيد دائماً جدلية الكراهية بين الغريزة والاكتساب، ما تكاد تجزم به النسبة الأعلى من العقلاء أن الإنسان لا يُخلق كارهاً لأحد، الكراهية هي صنيعة جملة من المؤثرات، أهمها التعليم، لا أقصد بالتعليم هنا التعليم الأكاديمي، ما أعنيه هو أي جهة تملك قناة للتواصل مع الجمهور وتمارس بطريقة أو بأُخرى نشر وترويج أفكارها، التبريريون لا يبحثون عن الأسباب المنطقية للمشكلة، ما يقومون به فقط هو محاولة تنزيه ساحتهم من أي تقصير، المتأملون بعمق في واقع الاختلاف الديني والفكري يجدون أن ثقافة الاختلاف والإيمان به تكاد تكون شبه منعدمة لدى نسبة قد لا تكون قليلة من المسلمين، السبب الأهم لذلك كما أرى هو التقصير في نشر ثقافة التسامح ومنطقية الاختلاف كسُنة بشرية لا يمكن تغييرها، التعليق الذي لم يزَل يتكرر في أذني حول فاجعة مصر هو ذلك الشاب الذي يقول «جعل ما يبقى منهم أحد هالكفار»، هذا الإنسان لم يصل إلى هذه الحالة لأن فطرته كانت كذلك، هناك بالتأكيد من أقنعه بأن بقية خلق الله هم حشرات لا بأس بإنهاء حياتهم، لولا ذاك لكان أكثر تسامحاً وقناعة، إن الإنسان «إما أخ لك في الدين، أو نظيرٌ لك في الخلق»، له الحق في أن يكون كما يشاء في حدود القانون.
إنَّ من المؤسف أن نجد مسجداً في كندا يحيطه الكنديون لحمايته من المتعصبين ضد الإسلام، ونجد أيضاً من يستقبلون المسلمين في مطارات أمريكا بالورد معبرين بذلك عن تضامنهم ضد أي سلوك عنصري ضدهم، فيما نجد بعضهم يرى في فاجعة أقباط مصر المؤلمة فرصة سانحة للتشفي فيهم، في اعتقادي إننا نحتاج لإعادة صناعة العقل العربي والإسلامي بحيث يصبح أكثر احتراماً للاختلاف الديني والفكري، وأكثر قدرة على التعاطف مع الأبرياء المستهدفين من الإرهاب بلا فرق وتمييز بينهم، أما دون ذلك فأظن أن إنسانية هؤلاء ستبقى بعيدة كثيراً عن واقعهم.