آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

النظرة والخطوة المتأنية

ورد عن رسول الله ﷺ: «إنَّما أهلَكَ النّاسَ العَجَلَة، وَ لَو اَنَّ النّاسَ تَثَبَّتوا لَم يهلك اَحَد» «محاسن البرقي ج1 ص 340».

الإقدام على خطوة معينة أو بلورة فكرة خامرت عقله، واعتجنت بآليات البحث المعمق والتحليل الدقيق، يحتاج إلى قراءة هادئة للواقع والظروف المحيطة به وما يمتلكه هذا الفرد من قدرات ومهارات وعوامل مساندة تنجح طلبه وتوصله إلى الظفر بما يريد، وإن أي استعجال أو تهور يفقده القراءة المتأنية والرزينة سيوقعه في مطب الإخفاق، وما سيعلوه حينها من حنق أو يأس أو إخلال بالثقة بنفسه وقدراته سيتحمل لوحده تبعاته وآثاره، فالأهداف التي يأمل تحقيقها في حياته تشابه تماما إنبات الشجر وتلقي موسم حصاد الثمر بالفرح وانفراج الأسارير، وهذا العمل الدؤوب لسنة أو أقل يتخلله بذل الجهود وتوفير الأرضية المناسبة له، ومراعاة توافر جميع العوامل المؤثرة في الإنبات، ودفع الموانع المضرة وقلعها لئلا تعيق أو تفشل النمو، وأي إهمال أو تقصير أو استعجال في أي خطوة سؤدي لانهيار آماله.

وفي غمار الحياة وخوض الصعاب وتجاوز العثرات نحتاج إلى نفوس هادئة وتزن الأمور بتقدير منضبط، فالتعجل في القرارات والأفكار لن ينجم عنه إلا الفوضى وغياب النتائج المثمرة، فهو ليس إلا عبث وجهود عقيمة لا تصل بنا لمرسى، بل والأدهى من ذلك أن نصاب بالقنوط وفقدان الأمل بتحقيقنا لمنجزات تحقق وتؤكد وجودنا الإيجابي.

فاستعجال النتائج المرجوة دون التهيئة لها بتحقيق مقدماتها وشرائطها على نحو الوفاء والتمام، ينم ويبرز عقلية لا تملك رجاحة وحكمة في النظر للأمور، فالخطى المتعجلة لا تأتي دائما إلا بهدف مشوه لا نرغب في استقباله أبدا.

كما أن الأحكام التي نصدرها على تصرفات ورؤى الآخرين، لابد أن تتسم بالهدوء والروية واستحكام النظر لها من جميع الأبعاد، فإن الحكم الصائب لا يؤخذ بالظنون والأقاويل والشائعات، والأحاديث العاطفية التي تغيب فيها الموضوعية، بل لابد من التثبت والقراءة الواعية التي تحيط بالأمر من جميع جوانبه، فمن يوثق بحنكته وسداد آرائه لم يأت بهذه الفطنة من فراغ، بل اتبع الأسلوب العقلي بكل مفرداته لينطق بوجهة نظر تحمل معاني التوضيح والتحليل والمخارج.

وكم من إنسان عض أنامل الندم لما جناه عليه لسانه عندما أطلق له عنان غضبه وفورة أعصابه، فأخذ ينطق بكلمات الشتم والسوء والاتهام، مما أسقطه من أعين العقلاء الذين كانوا يحملون له كل تقدير واحترام، وإذا بهم يرونه اليوم كالجريح الهائج يضرب يمنة وشمالا دون أن يوفر أحدا من أذاه وعدوانه، ولو استعقل واستحبس لسانه هنيئة ليحكم كلماته، لما نطق إلا بالحكمة والمنطق الذي يجنبه الشطط واللوم، فالتريث في الحديث والحوار يعني مراجعة متآزرة ومتظافرة من العقل والنفس ومراجعة الموقف وتدقيقه، ومن ثم يأخذ بحجزة الاعتدال ومنطق الأريب العارف.

ويجانب الحقيقة من اتكأ على تقديم التبرير والاعتذار في كل موقف يخطئ فيه لعجلة في خطوة أو كلمة لم يزنها قبل الإقدام عليها أو التفوه بها، فكم من كلمة أو موقف كان كالسهم أصاب جرة فكسرها، فلا يجدي حينها ذهب الاعتذار ولا فضة التأسف، وخصوصا على مستوى العلاقات الأسرية والاجتماعية، والتي تكون تلك الخطوات المتعجلة والمتهورة قد عقدت نطفة الخلافات وجنين القطيعة، فأي كلام - يا ترى - حينها يمكنه أن يرتق ذلك الشرخ والضغينة التي نسجت؟!