آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 2:33 م

العنف في «عين الحلوة».. المُعضلة الدائمة!

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

داخل مبنى قديم كان يجلس العقيد منير المقدح، وسط مخيم ”عين الحلوة“، أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، وإلى جواره عدد من المسلحين وقادة الفصائل الفلسطينية. توجهت نحوه، وقدمت له التعازي في الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. حيث جلسنا سوية لبضع دقائق، قبل أن نغادر، ويودعنا بنفسه عند الباب الخارجي للقاعة.

كان ذلك أول لقاء مع المقدح العام 2004، حيث تكررت من بعد زياراتي للمخيم، ولقائي به وبعدد من قادة الفصائل. وكان في كل مرة يوصي أحد أتباعه بمرافقتي في أزقة المخيم الضيقة والخطرة، والمتكدسة بالباعة والأطفال والنساء والمطلوبين أمنيا، والمسلحين الذين شكل ”عين الحلوة“ لهم ملجأ آمنا، هربا من المخابرات اللبنانية أو قوات الجيش.

كنت كأي صحافي أجنبي يأتي إلى لبنان، ينشدُ مهنيا للمجازفة وزيارة المخيم، حيث عملت عددا من التحقيقات والمقابلات. والأهم محاولة فهم تركيبة وخارطة المخيم السياسية والاجتماعية، وخصوصا ما كان يتم الحديث عنه من غياب العدالة في حصول السكان على وسائل العيش الكريم، أو ما يعانونه من نقص في الخدمات والدواء وفرص العمل.

المخيم الذي يقع على تخوم مدينة ”صيدا“ الجنوبية، وبعد المعارك بين الجيش اللبناني وجماعة ”فتح الإسلام“ الأصولية في مخيم ”نهر البارد“ شمالا، العام 2007، تحول ”عين الحلوة“ إلى مكان يختبئ فيه عدد من أعضاء ”فتح الإسلام“، وسواهم من عناصر ”القاعدة“. وخلال السنوات الأخيرة التي احتدمت فيها المواجهات العسكرية في سورية، تحول المخيم إلى مصدر للمقاتلين الشبان، الذين يلتحقون بالجماعات المتطرفة، وتحديدا ”جبهة النصر“ و”داعش“. بل، شكل أيضا بيئة آمنة يختفي فيها مقاتلون عرب وأجانب، قبل وبعد عودتهم من مناطق الصراع في سورية والعراق، ومن بينهم مقاتلون من الخليج، ما دفع الجهات الأمنية إلى تكثيف عملها استخباراتيا وعسكريا، كي لا يصبح المخيم بؤرة تصدر ”الإرهاب“ إلى دول الجوار.

أعمال العنف التي اندلعت مؤخرا في المخيم بين ”اللجنة الأمنية المشتركة“ والجماعات الأصولية التي يتزعمها بلال بدر، ما هي إلا نتيجة طبيعية لحال الفوضى والبؤس التي تعم أرجاء المخيم. فالتنافس بين حركة ”فتح“ من جهة، وفصائل أخرى ك ”حماس“، وتنامي الشعور بالتهميش من السكن، وتنامي خطاب إسلاموي متطرف، جعل استقطاب الشباب أمرا سهلا، خصوصا في ظل وجود تمويل عابر للحدود، يأتي من خارج المخيم، ويدفع كمرتبات شهرية لهؤلاء الشباب، تعينهم على مساندة عائلاتهم.

إن المشكلة في ”عين الحلوة“ معقدة، وهي قديمة وغير طارئة، إلا أنها تنفجر بين فترة وأخرى، ضمن صراع القوة والنفوذ داخل المخيم. وطالما بقي السلاح والتشدد، هم الفاعلون الأكثر حضورا بين الناس، ستنمو المجموعات ”الأصولية“ وتتمدد.