آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

ثقافة الانحياز

محمد أحمد التاروتي *

تشكل العوامل الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، عناصر اساسية، في بلور التحالفات، سواء على المستوى العالمي، او الاقليمي، او الداخلي، حيث تفرض بعض الاحداث السياسية، على اعداء الامس التقارب، لوضع نواة حلف جديد، لتشكيل جبهة موحدة للوقوف، على امام خطر كبير، الامر الذي يسهم في انفراط عقده، بمجرد انتهاء ظروف التأسيس، فالتاريخ يتحدث عن انشاء كيانات لخوض حروب، او الدفاع عن صديق مشترك، على غرار ”حلف الفضول“، قبل بزوغ فجر الاسلام.

لعبة المصالح، سواء المنطلقة من الضعف، او المحركة للاطماع الذاتية، تسهم في وضع قواعد متباينة، في رسم ملامح التحالفات، فالقوي يرفض وضع اشتراطات، تطلق يد الضعيف في التحرك، او اتخاذ القرار المستقل، بحيث يعمد لوضع قواعد، لتحريك الاطراف كدمى، وفقا للظروف السياسية والاقتصادية، من خلال تجميع كافة الخيوط في يده، بمعنى اخر، فان قرار الحل والربط، يكون لدى القوي دون غيره، وبالتالي فان مبدأ المشاركة في القرار، غير وارد على الاطلاق.

الاحساس بالضعف، او عدم القدرة على مواجهة العدوان الخارجي، سواء بسبب الافتقار للقدرات العسكرية، او الامكانيات الاقتصادية، يسهم في تسريع بعض الدول، للتحرك باتجاه التحالف مع القوى الكبرى، خصوصا وان سياسة عدم الانحياز، تتطلب توافر قدرات ذاتية، ولعل ابرزها القدرة على خلق حالة من الردع، لدى مختلف الاطراف الطامعة، سواء القريبة او البعيدة، بمعنى اخر، فان الكيانات الصغيرة مجبرة، على الانحياز لاحد التحالفات القوية.

الانحياز، او الاقتراب من القوي، ممارسات مألوفة، على الصعيد الانساني، فالضعيف يسعى للتقرب من القوي، لحمايته في اوقات الحروب، اذ شكلت الدولة الفارسية والامبراطورية الرومانية، مركزا استقطاب للكثير من الدويلات، في الشرق والغرب، نظرا لقدرتهما الاقتصادية والعسكرية، مما اوجد انقسامات في الولاء والخضوع، لاحدى تلك القوى العظمى، نظرا لافتقار الدويلات الصغيرة، لمقومات الوقوف امام الجيوش الجرارة، التابعة سواء للدولة الفارسية او الامبراطورية الرومانية.

تحرص الدول الضعيفة، او الصغيرة، على تبني المبادئ الثقافية، او السياسية، او الاقتصادية للدول الكبرى، باعتبارها جواز السفر للانضواء تحت حمايتها، فبعد الحرب العالمية الثانية، برزت المعسكر الشرقية بقيادة الاتحاد السوفياتي، على اوروبا الشرقية، من خلال فرض العقيدة الماركسية، فيما سارعت امريكا، لتشكيل المعسكر الغربي بالفكر الرأسمالي، على كامل المساحة الجغرافية للجزء الغربي، حيث استمر الصراع بين الطرفين لنحو 5 عقود، فيما عرف بالحرب الباردة بين المعسكرين، بينما تلاشت سطوة الاتحاد السوفياتي بعد تفككه، وانفراط عقد المعسكر الاشتراكي، في التسعينات من القرن الماضي.

الدول الكبرى، تحصل على الكثير من المزايا، عبر توفير الحماية للاطراف الضعيفة، ولعل ابرزها القدرة على ممارسة الضغوط السياسية، لاتخاذ مواقف لا تنسجم مع بعض المصالح الوطنية، كما ان القوى الكبرى تدفع الاطراف الصغيرة، على الانخراط في الحروب، التي تخوضها، فالتاريخ يتحدث عن حروب بالوكالة ذهب ضحيتها الالاف من البشر «لا ناقة لهم بالحرب»، فضلا عن اتخاذ مواقف عدائية، تجاه بعض الكيانات، نظرا لانداع ازمات سياسية بين الكبار، كما حدث ابان تقاسم السيطرة، بين الدولة الفارسية والامبراطورية الرومانية، حيث شهدت حروب وخلافات سياسية، سواء في المناطق القريبة، او البعيدة، مثل الشام والجزيرة العربية.

كاتب صحفي