آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

ثقافة العصبية

محمد أحمد التاروتي *

التعصب للحق محمود ومطلوب، ”ما ترك لي الحق من صديق“، فيما التعصب الجاهلي مذموم ومرفوض دينيا واخلاقيا، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ و﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ و”لا فرق بين عربي ولا اعجمي الا بالتقوى“، فالمعيار الاخلاقي يمثل القيمة الاساسية، لرجحان كفة انسان على اخر.

العصبية تأخذ اشكالا متعددة، فالبعض يتخفى وراء عناوين براقة، لتكريس هذه الثقافة في الكيان الاجتماعي، بحيث يحاول تلميع صورة هذه الصفة الوضيعة، عبر استخدام بعض المفردات، من اجل امتصاص ردات الفعل العنيفة، اذ يمكن تلمس مثل هذه السلوكيات، عبر الكثير من الممارسات، او الاستخدامات اليومية، فالمرء لا يحتاج للكثير من العناء، للتعرف على تشبع هذه الثقافة، في بعض الكيانات الاجتماعية.

التعصب آفة اجتماعية، تسهم في تخريب البيئة الاجتماعية الواحدة، فضلا عن التأثير على السلم الاهلي، حيث تسهم في اثارة النزعات العرقية، وتقضي على تكافؤ الفرص في المجتمع، حيث يقسم المجتمع الى طبقات متفاوتة في الحقوق والواجبات، اذ يقدم الابيض على الاسود في المزايا، الامر الذي يدفع المتضرر للبحث عن وسائل، لتجاوز الوضع المأسوي والصعب، مما يعطي المبررات لنشوء الانقسام الداخلي، في المجتمع الواحد.

من الصعب القضاء على التعصب، لدى بعض النفوس، خصوصا وان الجهات المتضررة من فقدان المزايا المكتسبة، من وراء التقسيم الاجتماعي، تعمد للتحرك في الخفاء لاستعادة النفوذ المفقود، فهي تحاول الاضرار بالطرف الاخر، عبر افتعال بعض الازمات، والصاق التهم الباطلة بالغريم، من اجل تأليب الرأي العام، وتحقيق مكاسب انية، فضلا عن الحصول، على التأييد من الجهات المناصرة.

التفاخر مرض خبيث، يصعب التخلص منه بسهولة، فالبعض يستند الى للقوة البشرية، في اظهار الاحتقار للآخرين، مما يجعله يقدم على ممارسات غير اخلاقية، ”مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةً مِنْ خَرْدَل مِنْ عَصَبِيَّة بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أعراب الْجَاهِلِيَّة“، فهو لا يتورع عن الاقدام، عن استخدام مختلف الاساليب، لتحقيق المكاسب على الارض، خصوصا وانه يعتمد في حركته على القوة البشرية، التي يمتلكها في مواصلة مشوار التنكيل النفسي بالطرف الاخر، نظرا لإدراكه بصعوبة تكافؤ الفرص مع خصمه، مما يمكنه من كسب بعض الجولات، في معركة ”العصبية“ المقيتة، ”مَنْ تَعَصَّبَ أَوْ تُعُصِّبَ لَهُ فَقَدْ خَلَعَ رَبَقَ الإيمان مِنْ عُنُقِهِ“.

الاطار الديني ليس رادعا في بعض الاحيان، لإسكات صوت ”العصبية“، في النفوس المريضة، خصوصا وان البعض يحاول نبش بطون الكتب للاستناد، على بعض النصوص الدينية، الداعمة لموقفه غير الاخلاقي، وبالتالي فان عملية الاستناد الى المبادئ الاسلامية، لتحقيق العدالة الاجتماعية، في المجتمعات البشرية، امر مطلوب، من تعزيز الوازع الديني، في الممارسات اليومية، ”ليس منا من دعا لعصبية“، بيد ان المطلوب وضع التشريعات اللازمة، لتجريم هذا السلوك الاجتماعي، لاسيما وان النظام يمثل الفصيل في وضع الامور في نصابها، بحيث يكون المرجع في للجميع دون استثناء.

كاتب صحفي