آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

العقلية الإبداعية

ياسين آل خليل

كلما ازداد العالم تعقيدًا، كلما كان علينا أن نكون أكثر إبداعًا لمواجهة تحدياته. ولكن كيف لنا أن نحقق ذلك إذا كان الكثير يتساءلون إن كان لديهم قدرات إبداعية هم شخصيًا لا يعلمون بها؟ ولكن لماذا تعتقد الأكثرية من الناس بأنهم أكثرُ بُعدًا من أن يكونوا مُبدعين وخلّاقين، وماذا يمكن لهؤلاء أن يفعلوا لتغيير تلك النظرة حيال أنفسهم؟

العالم الذي نعيش فيه اليوم قد تشكل من خلال أفكار ومُعتقدات وخيال وثقافات متعددة، آمن بها الإنسانُ وترجمها كواقع مُعَاش. المجتمعات تعيش وتُبْدِعُ في عطائها وفقًا لما تمتلكه من أفكار مُتاحة وحسب البيئة الطبيعية التي تكونت فيها وما تختزنه من خبرات تراكمت لديها على مر السنين.

إن من أهم مهام التعليم هو مُساعدتنا على تحقيق الإبداع والإرتقاء بالمجتمع ومؤسساته، لكن في كثير من الأحيان تكون مُخرجات التعليم خجولة ودون المستوى المرجو منها فيتلاشى الأمل في التغيير. وكنتيجة حتمية، ينحرف الكثير من الناس عن مواهبهم الحقيقية ويدخلون في متاهات هي بعيدة كل البعد عن المسار الذي يوصلهم إلى مرحلة الإبداع.

نحن نعيش في عالم يتغيرُ بسرعة أكبر من أي وقت مضى ويواجه تحديات لم يسبق لها مثيل. كلما كانت حركة العالم أسرع، كلما احتاجت المؤسسات إلى تلك النوعية من الناس الذين بإمكانهم التفكير والتواصل بطرق إبداعية وفِي أجواء يسودها التعاون ولديها القدرة على العمل كمجموعات لتعزيز الإبداع والإبتكار.

الكثير من الناس يقعون في خطأ استراتيجي وذلك من خلال اعتقادهم بأن الإبداع مرتبط بأنشطة كالفنون أو التصميم دون غيرها. إلا أن الإبداع اليوم اخترق الكثير من التخصصات كالتعليم والطب والتسويق وغيرها. هذا يضع الجميع في موقع متساو من المسئولية بغض النظر عن مجال عملهم وتخصصاتهم الأكاديمية.

كثيرًا ما يُعتقد بأن الإبداع هو سمةٌ داخلية مُلازمة للإنسان منذ ولادته وبأنه ليس هناك الكثير مما يمكن عمله حيال ذلك. والحقيقة هي خلاف الشائع من القول، حيث أن هناك الكثير مما يمكن القيام به لمساعدة الناس ليكونوا أكثر إبداعًا. فالإبداع كغيره من المهارات التي لم يكن الكثير يعرفها كالقراءة والكتابة وقد تعلموها هي الأخرى وأبدعوا فيها.

وبالنظر إلى التحديات التي نواجهها في عصرنا الحاضر، فإن التحول المطلوب يدور في محيط كيفية تفكيرنا وقدراتنا وقدرات أطفالنا ولعب دور نافذ في تنميتها وتطويرها لتواكب متطلبات العصر. مُعظم الناس ليس لديهم فكرة عن مواهبهم وقدراتهم الذاتية. والقليلُ جدًا هم من اكتشف أن لديهم موهبة وبادروا في تطويرها. هذا الهدر الكبير للمواهب والقدرات يرجع لعوامل كثيرة يتصدرها دون شك تردي العملية التعليمية والمؤسسات المرتبطة بها.

الإفتقار إلى الإبداع له نتائج سلبية متشعبة تفتك بأهم مفاصل القوة لأي بلد وأولها الإقتصاد الذي هو روح الأمة وقلبها النابض. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نلحظ أن المؤسسات التي مازالت واقفة دون تغيير يُذكر، بدى عليها الضعف والهوان ومن المرَجّح أن تسقط وتعلن إفلاسها في أي وقت. أما أخواتها من الشركات العالقة والمتشبثة بعاداتها القديمة والتي لم تلحق بركوب موجة التغيير، فهي في خبر كان، خلافًا لأخريات ممن وضعن التغيير كسنة حياتية وعملوا بجد واجتهاد، نراهم اليوم يصطّفون مع الكبار من الشركات والمؤسسات العالمية المُبتكرة والتي واكبت التطور ودخلت عالمه من أوسع الأبواب.

قدرتنا على أن نسرع بخيالنا بعيدًا لرؤية ما وراء الحاضر وبيئته المُعَاشة، تُمَكِّننا دون شك من أن نضع في اعتبارنا الأشياء التي ليست موجودة أصلًا في تخيلاتنا. كما أننا ومن خلال هذه القدرة سنتمكن بحول الله من زيارة الماضي ومراجعته لنتمكن من تعزيز إحساسنا بالحاضر وتقويته والنظر بوعي لتشكيل المستقبل المأمول والذي يحمل الخير كل الخير لهذه الأمة.