آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

مع الإصلاح.. ولكن!

علي يعقوب

تبرز بين الحين والآخر، هنا وهناك، دعواتٌ للإصلاح الديني، تنقية الموروث الديني، تهذيب الشعائر، غربلة الخطاب الديني وتشذيبه، وهكذا...، وهذا - في نفسه - جميل، لكن لا بأس بوقفة.

لا يخفى أن هذه المفردات «إصلاح، تنقية، تهذيب...» مما تطرب له النفس؛ إذ هي مفرداتٌ - بطبيعتها - إيجابيةٌ برّاقة، وعندما ترتبط هذه المفردة بالنفيس العزيز - أعني شؤونَ الدين - فإن دعواتٍ كهذه - مع احتمال جديّتها وجدواها - تجتذب المهتم؛ لأهمية ما ارتبطت به، لا سيّما إن كان هذا المهتم مُدرِكًا لأهمية الحرص والحفاظ على شؤون الدين نقيةً غضةً متينةً مُحكَمة، وهذا قد يفرضه صِدق الانتماء له، حيث تكون الرغبة في كَونه مصونًا من كل عبثٍ وتشويهٍ - عمديًا كان أم لم يكن - إفرازًا طبيعيًا جدًا، وقد يفرضه مطلق الاهتمام، أي ما هو أعم حتى من الانتماء.

وكيفما كان، فإنّ مرتدي «ثوب الإصلاح» يكتسب منه بريقه ولمعانه في أعين ناظريه، فيستجلب من يستجلب، ويجتذب من يجتذب، فإن كان المتزيّي بزيّ الإصلاح مصلحًا فعلاً، فبهؤلاء تقرّ العيون، وبهم يُحفَظ الدين ومعالمه وأهله، إلاَّ أنَّ المُلاحَظ في ساحتنا اليوم تكرُّر نماذج متعدَّدة على منوالٍ آخر، فتُغَلَّف ممارساتٌ بأوصاف تخالف واقعها، إما لاشتباه ناشئٍ عن سهوٍ وشبهةٍ، أو لغيره - والعياذ بالله -، فيأتيك - مثلاً - مَن يعبث ببعض إرث أهل البيت على المستوى العقدي واصفًا إياه ب «المدسوسات الصفوية» رغم كونه مُثبتًا في كتب علمائنا من القرن الثالث الهجري، ويأتيك مَن يخبط خبطًا في معالم المدارس العلمية وأعلامها كقول بعضهم في حق المجلسي أنه يعتقد وجوب العمل بكل ما في الكافي، ومَن ينفي انتساب أدعيةٍ لرواياتٍ ناسبًا إياها للمنامات، ومَن يعالج التراث بالأمزجة والاستحسانات المحضة وغير ذلك من أنماط العبث والخبط.

وغير خفيٍ أن وجود هذه النماذج ممَّا يدعو للانتباه والالتفات في التعاطي مع دعواتٍ كهذه، وغنيٌ عن التنبيه أن الأمر مثله مطلوبٌ أيضًا مع المتعنوِن بحفظ معالم الدين من هذا العبث، وإنما يتمُّ ذلك من خلال الحرص على اكتساب أسس المعرفة الدينية وضرورياتها، ومن خلال الحرص على أن الرجل الذي تؤخذ منه معالم الدين إنما هو العالم ذو الدراية المؤمن التقيُّ الأمين، ورد عن مولانا الباقر في قوله «عزَّ وجَل» ﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه [1]  أنه سئل: «ما طعامه؟»، فقال: «علمه الذي يأخذه، عمَّن يأخذه» [2] ، وعن ابنه الصادق أنه قال: «أحكِم أمر دينك كما أحكم أهل الدنيا أمر دنياهم» [3] ، ولا يتوهمَنَّ مؤمنٌ أن التركيز على صفات المأخوذ عنه لكونه ممتنع الخطأ ومنزَّهًا من الاشتباه والسَّهو أو أنَّ اتصافه بما سلف يمنعه من المَيل - والعياذ بالله -، فإنما يؤخذ عن مَن سلف وصفه؛ لأن تلك الأوصاف تورث الثقة بروايته ودرايته لمعارف الدين ومتعلقاته، أي الثقة بتبليغه معارف الكتاب والسنة، بكونه طريقًا مأمونًا لهما، وقد ورد عنهم : «مَن أخذَ دينه من كتابِ الله وسنَّة نبيِّه «صلوات الله عليه وآله»، زالت الجبال قبل أن يزول، ومن أخذ دينه من أفواه الرجال، ردَّته الرجال». [4] 

 

[1]  سورة عبس: 24.

[2]  الكافي: ج1، ك فضل العلم، ب16 النوادر، ح8 «135»، ص123 [ط دار الحديث].

[3]  الكافي: ج15، ك الروضة، بعد ح337 «15152»، ص554.

[4]  الكافي: ج1، خطبة الكتاب، ص14.