البصيرة النافذة
حقيقة رقابة الله تعالى لأفعال عبده وما ينطق به لسانه إذا كانت ماثلة وحاضرة في وجدانه، فإن لها تأثيرا قويا على مناعته وحصافته أمام منزلقات الخطايا وإغراءات النفس المفتونة بالحطام الزائل، ومتى ما عانى المرء من الغفلة وغياب المحاسبة لأعماله والنظر في عواقب أعماله، انطلقت نفسه الجامحة في فضاء المعصية دون رادع يحصنها.
إن كان هناك ثمة انحسار إيماني ورقابي على ما تجترحه جوارحه من آثام، فهذا لا يعني أنه متروك ومغفول عنه ولا يدون في صحيفة أعماله كل صغيرة وكبيرة يقارفها، بل تتعدد جهات الرقابة والشهود عليه بما لا يدع له فرصة الجدال والجحود والنفي لتصرفاته، فيوم القيامة تنصب محكمة العدل الإلهية وتنصب موازين الأعمال، والتي يثبت فيها كل ما قدم من خير أو شر، بل وتكشف السرائر وتبلى ويتبين على رؤوس الأشهاد، ما كان يخفيه ويتدارى به عن أعين الناس حفاظا على مكانته وشأنه الرفيع بينهم، فلا يعولن أحد على تفكيره الشيطاني بالعمل على إخفاء كل معالم أفكاره السيئة، فإن الله تعالى يبرزه يوم الحساب عاريا من كل الأقنعة التي تخفى بها في الدنيا، وتظهره حقيقته بلا رتوش أو تزيين تخفي صفاته، إنه يوم الرؤية النافذة.
ليكن المرء على بينة من أمره فلا يخدعه الوهم والتعلق بالأماني الكاذبة، فيعمل مخلصا لوجه ربه دون أن ينتظر شكرا أو مدحا من أحد، وليقطع حبل وده لما يجلب له ويلات العذاب الأليم، فيختار لنفسه طريق الارتقاء لنيل الطيبات من الكلمات المفيدة والناجعة بأثرها، ويتحلى بالفضائل التي تقوم شخصيته وتكسبها الاستقامة والورع في علاقته بربه وبالآخرين فلا ينتهك حقوقهم.
وليس هناك من مخلص من تراكم الذنوب وتكاثرها، فيمحوها بعد الإحسان للنفس بصونها عن مقاربة المنكرات والقبائح، مثل الإحسان إلى الناس وتخفيف همومهم والسعي في قضاء حوائجهم، فإن إرادة الخير والعمل به لا تضيع عند رب العالمين، بل تكون من موجبات عفوه عن عبده.