ثقافة الدجل
الدجل احد الأمراض الاجتماعية، التي استوطنت لدى البشرية، منذ العصور السالفة، الامم السابقة، حيث يتخذ أشكالا مختلفة، وطرقا متعددة في سبيل الاستحواذ، على عقول وعواطف الآخرين، فالعرافون عبر التاريخ يحظون بمكانة مرموقة، ونفوذ قوي سواء داخل المجتمع، او السلطة الحاكمة، الامر الذي يفسر تقريب بعض الحكام، هذه النوعية من الشخصيات، والاغداق عليها بالأموال، من اجل قراءة الطالع والتنبؤ، لاسيما خلال الأزمات السياسية، والحروب العسكرية.
اذ يعتبر الجهل والتخلف وأحيانا الخوف والاوهام الداخلية، البيئة المثالية لنمو وترعرع هذه ثقافة الدجل في المجتمع، فيما يعتبر الوعي والعلم، واستخدام العقل العدو، لمقاومة هذه النوعية من السلوكيات، داخل الكيان الاجتماعي.
انتشار الدجل في بعض المجتمعات، سواء كانت المتخلفة، او المتحضرة، يعطي دلالة على وجود ثغرات واضحة، في التعاطي مع هذه النوعية من السلوكيات البشرية، فالدجالون يستغلون تلك الثغرات، للسيطرة على بعض العقول، الامر الذي يمهد الطريق، لبروز هذه الشخصيات على السطح، مما يجعلها قادرة على فرض سطوتها، على النخب الثقافية، جراء الترويج لبعض الممارسات المناقضة، تماما للمنطق والتفكير الإنساني السليم.
استخدام الدين، يعتبر احد الطرق لتمرير، الدجل في المجتمع، فالدجالون يدركون تأثير الثقافة الدينية لدى الفرد، مما يدفعهم لمحاولة استغلال هذه النقطة، في الوصول الى المآرب الشخصية، ففي الغرب تستخدم الديانة المسيحية، كغطاء لممارسة الدجل، فيما يستغل الإسلام في البلدان الإسلامية، مما يعني ان السلوك الاستغلالي، لا يختلف في جميع اصقاع الدنيا، خصوصا وان القاسم المشترك بين جيش الدجالين، يتمحور في الاستيلاء على الجيوب، وتضخيم الثروة بذريعة الشفاء من الأمراض، ومَس الجن، وغيرها من الاوهام، التي يكرسها الدجالون في عقول المرضى.
يستغل الدجالون، الحاجة لدى الطرف الاخر، عبر وضع القمر يد، والشمس في اليد الأخرى، من خلال رسم سيناريو غامض، او الايهام بالقدرة على فك الطلاسم، وتحريك المجرات، وغيرها من الأكاذيب الكثيرة، الامر الذي يدفع الطرف الاخر للتصديق، والاستسلام، مما ينتج عنه سلب المزيد من الأموال، على أمل استخراج الجن، او الشفاء من البعض الأمراض.
الغريب ان الجزء الأكبر من ممارسي الدجل، يفتقدون للذكاء، او المستوى العلمي، باستثناء ترديد بعض المفردات الغريبة، القادرة على الخداع، فهذه الطريقة تعتبر الفخ، الذي ينصب لاصطياد الآخرين، فالقدرة على التمثيل، وكذلك استخدام الآخرين، للترويج تفتح الأبواب الموصدة، لاختراق اللاشعور الرافض، لقبول هذه النوعية من العلاج، فالبعض يجد نفسه مدفوعا للجلوس امام الدجالين، نتيجة ادعاءات البعض بالشفاء، من بعض الأمراض المستعصية.
لا يتورع الدجالون من استغلال جميع الوسائل، في سبيل اصطياد الناس، ففي السابق كانت الوسيلة بث الدعاية، وشراء ضعاف النفوس، للترويج عن القدرات الخارقة، لتلك الشخصيات ”المبروكة“، فيما وفرت وسائل التقنية الحديثة، فضاء واسعا لممارسة الدجل، فالانتشار الواسع للقنوات الفضائية، يمثل استغلالا واضحا لأصحاب الدجل، في ركوب الموجة، والسعي لمواصلة التلاعب بمشاعر الآخرين، من خلال تقديم علاجات واهية، مقابل الاستيلاء على الأموال، كما يلاحظ الغزو غير المسبوق لحسابات الدجل، على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال السنوات الأخيرة، مما يعطي دلالة على وجود سوق رائجة، لهذه النوعية من البضائع الفاسدة.