ثقافة النصح
قابلة النصيحة تختلف باختلاف ارضية الطرف المقابل، وكذلك يلعب الاسلوب دورا في تقبلها، بالاضافة الى توافر الاشتراطات والامكانيات لدى الناصح، فكل هذه العوامل تشكل منظومة متكاملة لاحداث الاثر الايجابي في النفوس، اذ لا يمكن تفسير رفض اقوام الرسل، للرسالات طيلة سنوات البعثة، بكونه فشل من الانبياء، فهذا التفسير مرفوض جملة وتفضيلا، نظرا انعدام القابلية لدى تلك الاقوام، في الاصغاء لمنطق العقل، خصوصا بعد تلوث الفطرة السليمة، وسيطرة المكابرة على التسليم للحق، ﴿ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين﴾.
انتشار النصح في المجتمع، او بروز بعض الاطراف، تتحمل مسؤولية التوجيه، والارشاد، يمثل مدخلا مهما، في الارتقاء بمستوى التفكير، فالنصح لا يقتصر على وضع الاصابع على المثالب، وانما يشمل التحفيز على الخير، يما تحمل الكلمة من معاني، سواء على الصعيد الارتقاء الثقافي، او الانجاز العلمي، او التكافل الاجتماعي، وغيرها من الانشطة الخيرية، ”الدال على الخير كفاعله“، ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ﴾.
نجاح النصيحة مرتبط بالظرف المكاني، والزماني، وكذلك باختيار المفردات القادرة، على اختراق العقول والقلوب، في الوقت نفسه، فهناك افراد يمتلكون الادوات اللازمة، لتطويع المفردات للتأثير على الاخرين، الامر الذي يتمثل في تزايد الانصار بشكل متزايد، فيما يفشل البعض الاخر في اكتساب الاصدقاء قبل الانصار، نظرا لافتقاره لسحر البيان القادر، على استقطاب شريحة، من البيئة الاجتماعية، فالعملية ذات جوانب متعددة، وطرق مختلفة، فالاسلوب الذي يستخدم في المرحلة الراهنة، يصعب تكراره في الحقب القادمة، نظرا لاختلاف الثقافات، والقدرات العقلية، لكل شريحة اجتماعية، وكذلك للتطور الكبير في الفكر الانساني.
امتلاك الثقافة عنصر اساسي، في القيام بممارسة النصيحة، ”فاقد الشيء لا يعطيه“، فالمثقف يمتلك القدرة على وضع الامور، في النصاب الصحيح، بخلاف الجاهل الذي يخلط الاوراق، رأسا على عقب، لذا فان عملية النصح تصدر في الغالب، من اصحاب الفكر او العلماء، بينما يكون الجهال في موضع المتلقي، بيد ان الثقافة ليست مرهونة بطريقة معينة، فالثقافة الحياتية، تمثل مدخلا في القدرة، على ممارسة النصح، ”اسأل مجرب ولا تسأل طبيب“، اذ تمثل التجارب الحياتية مسرحا مهما، لاكتساب المعرفة، وطريقة التعاطي مع الاخرين، مما يشكل رافدا قويا في القدرة، على التأثير في الاخرين.
ممارسة النصح، ضرورة للحفاظ على توازن الانسان، في مسيرته الحياتية، ﴿أُبَلِّغكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَأَنْصَح لَكُمْ﴾ ، خصوصا وان المطبات والعراقيل، التي تعترض طريقه خلال سنوات العمر، تتطلب وقفات لاستعادة بعض القوة، ”النصيحة بجمل“، وبالتالي فان وجود الناصح، يسهم في تجاوز تلك المطبات، باقل الخسائر ”الدين النصيحة“، فعملية النصح مرتبطة تحفيز العقل والعاطفة، في الوقت نفسه، وبالتالي فان الدخول الى الطرف الاخر مرهون بالقدرة، على قراءة الطريقة المناسبة، لاسيما وان الثقافات تختلف من شخص لاخر، فالرجل يختلف عن الشاب، وكذلك الامر بالنسبة للمرأة عن الرجل، وايضا الشاب عن الطفل، فكل انسان يحتاج الى مفردات، تنسجم مع القدرات العقلية، والثقافية ”نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم“.