الربيع الثقافي في الشرقية
يبرز فرع الجمعية السعودية للثقافة والفنون بالدمام كعنوان آخر، صار حاضراً قوياً في الواقع الثقافي، وفي صناعة الفعل الثقافي والفني، وما تشهده أروقة وقاعات هذه المؤسسة من معارض فنية، وأمسيات …
في النظرية النقدية الثقافية، يُنظر لحركة النموّ الثقافي في مجتمع بوصفها رافعة محورية ينمو معها الإنسان في مجمل حركة حضوره الإيجابي. بينما يشكّل تراجع الفعل الثقافي المنتِج صورةً بعيدة عن الحياة وغير مستجيبة لمتطلبات التطور والتنمية التي تبحث عنها المجتمعات كركيزة أساسية يقوم عليها الهيكل المتين لثقافة شعب أو مجتمع أو أمّة.
والجدل يبدو منتفياً حول ما تفرزه ظاهرة «السّبات الثقافي» من آثار تتفاقم سالبيتها بمقدار غياب المؤسسة الثقافية والمثقف عن المشهد الثقافي الذي لا يكفيه الحضور الشكلاني أو المزاجي، وإنما قوته تبدو في امتلاكه لمعالم واضحة في مشاريعه الثقافية التي تصوغها حالة تخطيطية، ذات قدرة باصرة ومستشرفة لمستقبل يتوسع فيه المشهد الثقافي كقيمة وازنة، وكقمّة محلّقة.
وكعنوانين جديرين بإذكاء جذوة الفعل الثقافي في المنطقة الشرقية، يعوّل المثقف على النادي الأدبي في منطقتنا الحبيبة، ليكون المؤسسة الثقافية والأدبية التي تستطيع أن تكون معراجاً للمثقفين والأدباء والمبدعين، وهذا من جهة الإمكان غير عسير، بل إن الحضور الثقافي والأدبي اللافت في المنطقة يمثّل محفّزاً قوياً ليأخذ النادي الأدبي موقعه الحقيقي الذي يتيح له فرص الإنجاز.
ويبرز فرع الجمعية السعودية للثقافة والفنون بالدمام كعنوان آخر، صار حاضراً قوياً في الواقع الثقافي، وفي صناعة الفعل الثقافي والفني، وما تشهده أروقة وقاعات هذه المؤسسة من معارض فنية، وأمسيات يتقاسم الحدث الثقافي لحظاتها التي صارت تنتج بيتاً للسرد وبيتاً للشعر، إلى درجة استطاعت أن تحتفي بقامات أدبية وفنية وثقافية خلال السنوات القريبة. والإبداع في فكرة وإدارة المنتَج الثقافي يحتاج إلى ذكاء متعدد وقدرة تستطيع أن تجمع الجميع، وتفتح الفرصة للجميع. ولعلّ هذا كان من أنجح الأدوات التي وظفتها الجمعية، حتى صارت ملتقى مهرجانات ومسابقات المسرح التجريبي والمهرجانات الفنية والتشكيلية وكان لورش التدريب دور يكتشف المواهب ويعمل على تطوير مهاراتها وتغذيتها بمقدمات أولية تتطلبها رحلة النمو وملامسة الإبداع الذي عادة ما يبدأ بالمجاورة لكن معانقته تحتاج امتلاكاً للركائز وحرصاً على تنمية وتنويع القدرات المهارية، فالمبدع يمتلك القاعدة ثم تتكون له ملَكة تجاوزها بعد رحلة طويلة من التجريب والتأمل والتطور.
وما تشهده الشرقية هذا الأسبوع من أيام ثقافية وأدبية وفنية يمثل حالة ثقافية تبشر بأن يكون للنادي الأدبي في الشرقية حضور يستطيع فيه تنويع الفعل والإبداع في فكرة الفعالية. وفصل الربيع هذا العام ينقلنا إلى ملتقى دارين الثقافي الذي يقيم النادي الأدبي نسخته الثانية لتكون المؤسسات الثقافية الأهلية والخاصة محطّ قراءات هذا الملتقى الذي أخذ اسم دارين وهي الميناء المعروف والمدينة الخليجية التاريخية التابعة لمحافظة القطيف، كما اختير الاسم ذاته للدورية المحكّمة التي يصدرها النادي، في دلالة على جمالية استدعاء الرموز التاريخية ذات السجل الحافل بالتراث والتاريخ في هذه المنطقة كما هي جزيرة تاروت ومدينة الزارة التاريخية، والشاعر يلخّص ما لدارين من أهمية اقتصادية وتاريخية قديماً في قوله: يمرّون بالدّهْنا خِفًافاً عيابهم، ويرجعنَ من دارين بُجْرَ الحقائبِ، وكانت هذه المدينة التاريخية بوصفها جزيرة تشتهر بصناعة وتصميم أشرعة السفن، وهذا ما يأتي وصفه في كتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب ، حينما يستعرض وصف الطاووس ويقول ضمن ما يذكر: «كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ». والقلع هنا يعني الشراع الذي يضاف إلى كلمة داريّ، والمقصود دارين كما في شرح النهج.
إن ملتقى دارين الثقافي هو ربيع ثقافي تعيشه المملكة والمنطقة، ويتوقع أن يكون في اختيار المؤسسات الثقافية الأهلية والخاصة وتقديم أوراق مناقشاته وجلساته عن منجزات هذه المؤسسات هو توسيع لحركة الفعل الثقافي والأدبي في النادي الذي كان في بعض دوراته السابقة ينقل بعض برامجه إلى بعض المدن أو المحافظات. كما سيكون في تكريم بعض المؤسسات الثقافية والأهلية المنجزة تعميقاً لمعنى الشراكة في صناعة الفعل الثقافي الذي سيكون تكريماً لكل مثقف ولكل أديب ولكل مبدع أو مهتم. وإذا كان وما زال هناك من يصف بعض مؤسساتنا وحضورنا الثقافي بأنه يتعرض لحالات من الشللية، فإن هذه الشراكة كفيلة بأن تفتح الأبواب لجميع المهتمين وتوطيد العلاقات معهم، فمن الضروري أن يكون النادي الأدبي حالة جامعة في أقوى فاعليتها وكفاءتها.
وزهو ربيعنا الثقافي هذا العام سيكون كبيراً مع مهرجان أفلام السعودية الذي يقام في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، ويستحق أن يحظى بحضور ومتابعة قريبة. كما يستحق أن يجد جهات راعية تشجع هذه الحركة الفنية السعودية التي تشهد قفزة في تكنولوجيا صناعة الأفلام وإنتاجها في جميع أغراضها الإنسانية والفنية كنتاج تنمو معه ذائقتنا وأحاسيسنا وإنسانيتنا، وكما قيل: فإن الفنّ هو الإبداع في التعبير عن الحياة.