التحول المقلق في العالم
العالم يتغير ويغير، والناس تتبدل وتتطور، وتنحدر أحيانا، وتصعد أحيانا أخرى، الثقافة والإنسان، وسلوك المجموع، فالتغير في كل جيل يحدث بما نراه ونبصره، وبما لا نراه ولا نبصره، والمسافة الفاصلة بين الأجيال سحيقة وبعيدة، والمسافة بين القناعات كل يوم تتباعد، رب مقبول اليوم مسخوط عليه غدا أو بعد غد، والمرضي عنه الآن لا يعني عدم السخط عليه بعد حين من الزمن. ثمة فئة من العلماء، يشعرون بالقلق أكثر من غيرهم، تجاه سرعة التغيير لكل شيء حولهم، ربما لأنهم أكثر الناس رصدا لسرعة التحول والتبدل في المفاهيم، والقيم، والدين. إنهم قلقون على المصير الأخير الذي ننتظره، إذ الذي حدث في دول كثيرة، لم يحط كثير منا الوعي بسببه، ولا البصيرة بواقعه بتجرد عن الصورة الإعلامية التي تنطق دائما بما يطلبه الداعمون والممولون! يتزايد في العالم اليوم الشعور باليأس من كل شيء، أولهم الإنسان وقيمته الأخلاقية، واليأس من الرهان عليه في قدرته على استرجاع ما يفسده طوال الوقت وعلى الدوام.
لقد تغير الكثير، ولن يتوقف هذا التغير بحال، فقد رجعت البشرية إلى أشنع الذنوب والخطايا المخزية، ولكنها هذه المرة كانت أكثر وقاحة من كل ما سبقها من الحضارات الهالكة، فقوم لوط مثلا، اقترفوا رذيلة الشذوذ، إلا أنهم ظلوا يعدونه من ضروب الدنس، والخطايا المخالفة للفطرة السوية، والمعاندة لطبيعة الخلق والتكوين، وهو سلوك لا تزال البهائم تعف عنه ولا تنحدر إليه، إلا أن البشرية الآن رجعت إليه اليوم، «بتشريع» في الولايات المتحدة يجعل فاعلوه، وكأنهم أسوياء، بل يفرض على الجميع بقوة القانون، تقبل هذا الشذوذ وعدم إنكاره، أو المطالبة بتجريمه، وبهذا تكون البشرية قد شرعت أشنع الخطايا، بتبرير «الحرية الشخصية»، هذا هو الحاضر الضعيف والشاذ والخارج عن كل قيمة أخلاقية أو دينية، لا يمكن أن ينتج مستقبلا أفضل بحال، والتربة الفقيرة من الأخلاق، وصلاح التدين لا تعطي ثمرا طيبا بحال ولا جيلا طاهرا، دائما البئر المالحة لا تروي عطش العابرين. كل هذا الفساد العظيم الذي نعيشه، ويقتات على حاضرنا ومستقبلنا وأحلام أطفالنا، كل إنسان منا له نصيب من كل هذا الذي نكره وجوده فينا، ونكره بقاءه بيننا، ويخزينا حضوره، ويخزينا أن نحتاج في كل مرة إلى قيمة أخلاقية رفيعة، ترفعنا، وتطهرنا، لأن ضمير المجموع العالمي اليوم بالكاد تجد من يزكيه أو من يأتمنه! لا يعنيني وإياك «اللواطيون» الذين يتم تحسين المسمى إلى المثليين لتكون المفردة في الدلالة أقل قبحا وأكثر قبولا. بقدر ما قبضت على نموذج واحد أسوقه بين يديك كي أنتهي وأنت إلى أننا نبصر تحولات، كنا نخالها مستحيلة من كل الوجوه، وغير ممكنة بحال من الأحوال. وإن قدرا من الفضيلة والعفة والأخلاق سيجعلنا في مأمن من المجاهرة بها، فضلا عن تشريعها وإعلان حفلات اقترافها.. وتجريم طلب العقوبة عليها. هذه قصة لم تقع من ذي قبل، والإنسان الآن بات بفعل التردي المتدرج أكثر قابلية لكل الذنوب والخطايا.. وإن حدوث ما لا يمكن تصور حدوثه من الرذائل، والخطايا الكبرى، يظل هذا وأمثاله كارثة أخلاقية عظمى، يفرض على الأسوياء في العالم التصدي له، من خلال تشريعات مضادة، تجرمه وتعاقب عليه، حيث يظل معزولا ومحاصرا ومطرودا من كل مكان.