سيدنا أبا عدنان «تعقيب وتتميم»
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآل محمد
تردّدت كثيراً قبل كتابتي لهذه السطور، وذلك لردود الأفعال التي وصلتني بعد نشري للمقال الأول الذي كان بعنوان «قراءة نقدية في أطروحات السيد أبي عدنان»، فالبعض هشّ وبشّ لرؤية هذه القراءة وجعلها فرصة لتصفية حساباته، والبعض الآخر من مريديه فهموا أنّ لي مشكلة شخصية مع السيد ومع المصلّين في المسجد ومع!.
قبل كتابتي لأي تعقيب أعلنها صريحة أنّنه لا توجد مشكلة شخصية بيني وبين السيد أبي عدنان، وقد بلّغت مسؤول موقع المطيرفي عندما اتصل علي في نفس الليلة التي نشرت فيها مقالي الأوّل، وذكرت له أنّي ممّن حضر تحت منبره أكثر من مرّة وأنّه لا مشكلة عندي البتّة في الالتقاء بسماحته.
أمّا بالنسبة للمصلّين فلا أدري كيف فهم البعض أنّي أسأت إليهم؟! إذ أنّ غاية ما طرحته هو تعجب منّي عن سبب سكوتهم وعدم تعليقهم على هذه الاشتباهات رغم حثّ السيد المتواصل لهم على عملية النقد وعدم مجاملة الخطباء فيما يطرحون على المنابر، علما أنّ في الحضور بعضاً من أصدقائي وزملائي في الدراسة كما لا يخفى على كلّ قريب منّي.
كلّ هذه الضجّة كانت متوقّعة بسبب عدم تعوّد مجتمعنا على النقد الذاتي الذي يهدف إلى تصحيح مسار الخطاب الديني وإصلاح حال المنبر المعاصر، بل صرنا نعتبر أنّ كلّ نقد هو حالة عدائية بين طرفين أشبه ما يكون بحلبات المصارعة الحرّة يحاول كلّ طرف فيها إسقاط الآخر وتثبيته على الأرض!
«وطبعاً لست أعني التشجيع على كل نقد دون قيود وقد كتبت مقالة قديمة حول قضية النقد بعنوان «صنمية النقد» أوضع فيها ذلك».
أمّا غير المتوقّع بالنسبة لي فهو ردّ السيد أبي عدنان على ما ذكرته، إذ قال في خطبته الأخيرة بعنوان «العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني 12» في الدقيقة 4: 52 «ولست مسؤولا عن المصدر في مقام الخطبة وإنّما المصادر موثقة ومحكمة ضمن ما نصدره من مجموع خطب الجمعة وإلى الآن أصدرنا عشر مجلّدات... فمن يبحث عن مصدر ويحمل الصدق والمصداقية مع نفسه عليه أن يراجع المجموعة وأما ما يصدر هذا العام فعليه أن ينتظر مصادره ولست ممن يحمل الحطب عن غيره».
سيدنا أبا عدنان:
بعد الشكر والثناء لاهتمامك بما كتبت من نقود على ما طرحتموه أريد أن أخبركم أنّي لست من الذين يريدون من غيرهم أن يحملوا حطبهم عنهم، فقد تعلّمت ولله الحمد أن أدقّق وأبحث عن كلّ ما يقال، ولست ممّن يتلّقون المعلومة بسهولة دون تمحيص، واعلم أنّه بمجرّد أن سمعت خطبتكم في الأسبوع المنصرم راجعت المصادر وصدمت بالنتيجة فلذلك اضطررت لكتابة هذه القراءة النقدية، علما أنّ عدد الاشتباهات هو 25 اشتباها لكنّي اكتفيت بعشرة، وكانت عندي نية المواصلة لولا الضجّة التي حصلت...
سيدنا أبا عدنان:
إنّ مجموع خطب الجمعة الذي صدر لكم هو نتاج عشر سنوات خلت من أطروحاتكم على منبر جامع الإمام الحسين ، فما طرح قبل عشر سنوات طبع قبل بضع شهور فقط، فهل تطلبون منّي أن أنتظر عشر سنوات أخر لكي يتسنّى لي معرفة المصادر التي استندتم عليها؟!
يقول العرب من أحالك على غائب ما أنصفك، وجنابكم لم تنصفوني بهذا الجواب صراحة، فأنا لم أطلب منكم أن تحضروا المصادر في الخطبة وتذكروا الجزء والصفحة بل طلبت منكم شيئا واضحا وهو أن تبينوا النقاط التي اشتبهت علي، فإنّي رجعت إلى المصادر المختلفة سواء المطبوع أو الإلكتروني ولم أجد شيئا ممّا ذكرتموه، ومن منطلق حرصي على السلامة الفكرية للمستمع كتبت مقالي، فهل جزائي أن أصبر عشر سنوات لأحظى بشرف الحصول على المصادر؟!
سيدنا أبا عدنان:
لو ابتغيتم نفقا في الأرض أو سلّما في السماء لما وجدتم مصدرا واحدا يقول:
محمد خدابنده صاحب القصة المعروفة هو حاكم صفوي
أو العلامة الحلّي معاصر للأسترآبادي
أو أنّه من المثبتين لحكم الدولة الصفوية
أو... أو... أو...
لا أريد الرقم الذي ذكرتموه وأتبعه المصلّون بالصلوات، بل أريد مصدرا واحدا لكلّ نقطة ذكرتها في المقال المتقدّم ذكره سواء منكم أو من اللجنة المختصّة التي أشرتم لها وأشدتم بها، وقد تمنّيت أن تشيروا إجمالا للمصادر لينتفع الجميع بدلا عن الحديث عن عصير التفاح وبركة الصباح والنوم مبكّرا فإنّها أمور شخصية لا ينفعنا العلم بها ولا يضرّنا الجهل بها، المهمّ بالنسبة إلينا صحة ما يطرح على المنبر من معلومات تمسّ تاريخنا وحاضرنا وتؤثر في مستقبلنا.
سيدنا أبا عدنان
وصلني ردّ من اللجنة المشرفة على محاضراتكم ذكروا فيه أنّه تمّ بضوء أخضر منكم وقد سعدت بهذا كثيرا، لكنّي لمّا قرأته خاب ظني أكثر: فمن مجموع 10 اشتباهات لم يتعرّضوا إلّا لخمسة منها:
الأول: دعوى المعاصرة بين العلامة الحلّي والأمين الأسترآبادي، وقد أقرّوا بأنّ ما ذكرتموه كان اشتباها منكم وسبق لسان وهذا ما تمنّيناه أن يصدر منكم لا منهم وتصحّح المعلومة لعامّة الناس.
الثاني: قضية نسب الصفويين، وقد أوّلوا تعبيركم ب «أبناء العمومة» وجعلوه ناظرا للقومية لا للنسب، ويكفينا هذا المقدار لبيان أنّ الطرح بهذه الصورة هو اشتباه فعلا لأنّ التعبير بأبناء العم يستعمل للدلالة لعلقة النسبية لا غير.
وقد تعرّض السيد في خطبته الأخيرة في الدقيقة 9: 51 إلى نسب الصفويين وأصرّ على أنّهم أتراك وليسوا موسويين وتحدّى بذلك كل من يقول غير هذا الكلام، وأنا أقبل هذا التحدّي من السيد أبي عدنان في مناقشة نسب الصفويين هل هم أتراك كما ادعى في خطبته أم لا؟!
علما أنّه سخر من المصدر الذي استشهدت به، وذكرت بدقّة تاريخ تأليفه حيث أنّ المؤلف عاصر جدّ هذه الأسرة وفرغ من هذا الكتاب قبل قرنين من قيام هذه الدولة، وفي المقابل احتجّ بكاتبين معاصرين، الأول توفي 1945م والآخر معاصر!
والأعجب من هذا إحالته على كتب أحمد كسروي الذي يعتبر من أوائل المشككين في هذا النسب، وهو المؤلف الإيراني الذي طالما هاجم الإسلام وأساء للدين والمذهب ودعا للرجوع إلى إيران ما قبل الإسلام، ولذلك عرّض به الإمام الخميني رضوان الله عليه في كتابه كشف الأسرار واعتبره من السائرين على خطى ابن تيمية، فكيف يروج السيد لكتبه من على منبر الجمعة؟!
وفي نفس الوقت ضرب بعرض الحائط أقوال علمائنا الأعلام - الذين لا يختلف اثنان في علمهم وفقههم وأنّهم من أهل التحقيق لا التقليد - في إثبات نسب الصفويين بل إثبات تشيعهم منذ جدّهم الأول صفي الدين الأردبيلي.
الثالث: قضية طلاق خدابنده، وقد ذكروا أنّ السيد ليس في مقام سرد الخبر التاريخي بل هو ينقل ما يذكره الخطباء، وهذا المقدار أيضا كاف بالنسبة لي لأنّه يوضّح فعلا الاشتباه الذي وقع فيه كلّ من سمع الخطبة وظنّ أنّ مراد السيد نقل الحادثة فعلا، علما أنّي لم أسمع طيلة حياتي خطيبا واحدا نقل أنّها رؤيا منام ولا يوجد من أهل السنة من يفتي أنّ الطلاق في عالم الأحلام يترتّب عليه الأثر.
الرابع والخامس: مطاعن بحار الأنور وتفسير البرهان وقالوا أنّها «مسألة رأي ووجهة نظر» وهذا أعجب العجاب، فالحديث عن مطاعن البحار ليس مسألة وجهة نظر إذ الكلام حول موضوع خارجي، هل المطاعن التي حرّم السيد البروجردي رضوان الله عليه طباعتها 3 أو 5 أو 7؟ أي اجتهاد في ذلك؟
أمّا مصادر تفسير البرهان فنحن لسنا بصدد تقييمها والحديث عن حجيتها، بل بصدد الإجابة على هذا السؤال: هل مصادر روايات تفسير البرهان معروفة أم مجهولة؟ ظاهر كلام السيد في المحاضرة الجهل بمصادرها والحقّ أنّ السيد البحراني رضوان الله عليه لم يترك رواية واحدة إلّا وقد ذكر مصدرها، فأين هي معركة الآراء بين العلماء؟!
أمّا الخمس اشتباهات الأخرى فقد سكتت اللجنة عنها ولم تجب ولا ندري هل هو إقرار بأنّها السيد قد جانبه الصواب فيها؟ أم هم بصدد البحث عن أجوبة عليها في ال46 مصدراً، ستكشف لنا العشر سنوات المقبلة حقيقة الأمر!
وعلى كلّ حال أنتظر من اللجنة الموقّرة الجواب على الخمس شبهات الأخرى التي سكتوا عنها والتعقيب على الملاحظات التي دونتها في هذا المقال، كما أنتظر من السيد أبي عدنان ردّه بخصوصِ قبولي لتحدّيه حول مناقشة نسب الصفويين وهل هم أتراك كما ادعوا أم لا؟!