العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني «3»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين. ثم اللَّعن الدَّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [1] .
اللهم وفقنا للعلم والعمل الصالح، واجعل نيّتنا خالصة لوجهك الكريم، يا رب العالمين.
قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿ألم ~ ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيْهِ هُدَىً لِلْمُتَّقِيْنَ﴾[2] .
القرآن الكريم معجزة النبي الأعظم محمد ﷺ الخالدة، ومن المعلوم أن للقرآن أبعاده وأهدافه المرسومة بيد القدرة الإلهية، ومن تلك الأبعاد البعد القصصي، ولكننا لا ندرك ما للقصص من أثر في بناء مخيلة الطفل، وعندما يكبر لا يستغني عنها، إذا تساس بالقصص اليوم كثيرٌ من الأمم.
فبالقصص التاريخي بنيت المسارح العظمى في شرق الأرض وغربها، والأمم التي اقتربت من عالم القصص من خلال المسرح سمت وارتقت، والتي أشركت البعد السينمائي بعد سنيّ الطفرة اتكاءً على موروث القصص، استطاعت أن تحرك الناس في المربعات التي أرادتها أن تكون فيها.
والديانات السماوية لم تكن بمنأى عن هذا الضرب من الأساليب التي من خلالها تزرّق الأفكار والمبادئ والقيم، لذلك تجد في التوراة كماً هائلاً من القصص، وفي الإنجيل كذلك، وأما القرآن الكريم فحدث ولا حرج. لكن الحركة كانت مُغياة، وما القصص إلا آلة من خلالها يتم التوصل إلى الهدف.
وللقصص في القرآن الكريم مقوماته التي اتكأ عليها حتى أعطته البعد في القدرة على البقاء والاستمرار، فأنت تقرأ في قصة كينونة آدم وأنه كان من طين وماء، ثم تمشي مع أول جريمة على وجه الأرض بأسلوب قصصي حتى بعث الله غراباً يبحث في الأرض، ليريه كيف يواري سوأة أخيه.
ثم تتقدم البشرية وتتكثر وتأتي قصة نوح والفلك المعلوم. ثم جاءت الأدوار إلى إبراهيم شيخ الأنبياء، ثم إلى موسى والعصا ثم عيسى وإحياء الموتى، ثم جاءت أعلى درجات رسم القصص القرآني على يدي النبي الأعظم ﷺ بواسطة الأمين من خلال السماء.
وقد اتكأ القرآن في ذلك على جنبتين:
1 استعراض ما حصل عند الأمم السابقة.
2 ما هو المستحدث من القضايا التي تحتاج إلى تدخل السماء في صياغتها.
وفي بادئ الأمر ذكرتُ أن القصص يشكل آلة للوصول إلى الهدف، ولكن مع شديد الأسف رغم مرور أربعة عشر قرناً من الزمن إلا أن البوصلة لا زالت منحرفة عن الاستفادة مما هو الغاية في مثل هذا المورد.
فعلى سبيل المثال قوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ [3] التي لا زال الصراع قائماً بخصوصها بين الأعلام والمفسرين والمفكرين والمتنورين والتقليديين، في أن هذه الآيات الكريمة هل نزلت بحق النبي ﷺ أو نزلت بحق ذلك الرجل الذي كان في محضر النبي ﷺ؟. وشحنت الكتب وسطرت التفاسير، وشذ من شذ في رأيه، إلا أن النتيجة لم تكن سوى شحن في النفوس، وتأكيد وتوثيق للبعد الطائفي في بعض الذوات، وهو ما تُدفع ضرائبه إلى اليوم، حال أن القضية يمكن أن يستفاد منها الدرس الأخلاقي، ثم نكون في منأى عن ذلك، فعصمة النبي ﷺ لا تحتاج إلى من يؤكدها بعد أن أكدها الحق سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ﴾ [4] ، وقوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى﴾ [5] ، فلا يمكن أن يُتصور بحق النبي ﷺ مثل ما يراد أن يلصق به، فتنتهي الأمور ونأخذ من النص درساً وعبرة، فلا نحتقر أحداً ولا نقلل من شأن أحد، وأن نحترم الآخرين، وهو ما أراده الله تعالى من السرد القصصي للمشهد الذي رسمه في سورة عبس، ولكن مع شديد الأسف نجد أن القنوات والكتب والمؤلفات وحتى المحافل العلمية الأكاديمية وغير الأكاديمية كلها تدور حول نفسها في حلقة مفرغة.
ومقومات القصص في القرآن الكريم كثيرة، أذكر منها على نحو الفهرسة:
1 أنها تتكئ على بُعد الحق: الذي لا يداخله باطل في السرد لا من قريب ولا من بعيد، والسبب أن المصدر هو الحق المطلق، والواسطة ملك أمين، والمبلغ رسول صادق مصدق هو الرسول الأعظم محمد ﷺ.
2 اتكاء القصص القرآني على البعد العلمي: الذي لا يتاخمه جهل مهما تناهى في صغره وحجمه، فالعلم هو الأساس في تثبيت السرد، وهو المقوم المكين.
3 الإحاطة بجميع جوانب المشهد: فأنت عندما تقف على أصل الكينونة للإنسان تجد أن القرآن الكريم يأخذ بيدك في مشهد سريالي متواصل في منتهى الروعة والسلاسة والوصول إلى الهدف والغاية، وكذلك الأمر في سائر الموارد، حتى الجزئيات البسيطة.
فمع سليمان النبي والعصا التي أكلتها الأرضة مثلاً، نجد أنها حشرة في منتهى الصغر، لكن الله تعالى ساقها مثلاً في سبك قصصي رائع، ومشهد درامي راقٍ جداً في صوره الجمالية والإبداعية في جانب الصدق والهداية والأخذ بيد الطرف الآخر. فأسلوب الأنبياء في هداية الأمم هو أسلوب الجمع لا الطرح، والتحبيب لا التنفير، ومن يدّعون السير على نهج الأنبياء ويجعلون لأنفسهم الوصاية اليوم على أبناء الأمة إنما يتنكبون الطريق، ويأخذون جانب الطرح على حساب الجمع، والتنفير على حساب التحبيب والتشويق.
فما من قصة قرآنية إلا وهُيئت لها مقدماتها السلسة الجميلة. ففي قصة سليمان نجد قوله تعالى: ﴿فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا﴾ [6] تجد السلاسة في التعبير والدقة في التصوير والتحبيب لمتابعة القصة حتى النهاية، والصراحة والوضوح في التعاطي مع الألفاظ بواقعية. أما نحن اليوم فلو تكلمنا بهذه اللهجة القرآنية لما تقبل ذلك منا أحد، وينسى أن هذا أسلوب قرآني كان موجوداً قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة، بل قبل القرآن الكريم نطقت الكتب السماوية بذلك. فالدخول في جزئيات القصة وبيان حيثياتها يكشف الكثير من الغموض.
من هنا أقول: إن البعض يأخذ على خطابي عدم الدخول في التفاصيل مما يوهم الطرف الآخر، فيأخذ الكلام إلى بعض التكهنات والاحتمالات والتحامل أحياناً. وأنا أجيب هؤلاء فأقول: إن الاسترسال في الكلام والإطناب فيه إنما يحسن عند مخاطبة من لا يفقه، وليس لديه الاستعداد أن يفهم ما تقول، أما إذا كان هنالك جمهور طيب واعٍ متابع ثابت فإنك لا تحتاج للجزئيات البسيطة.
ثم إن الحق يفرض على من لم يفهم جزئية ما بالمطلق أن يستوضح من أصحاب الشأن، فلا ينزل خطيب من منصة أو قارئ من منبر حسيني أو محاضر من كرسي في ندوة إلا كان عليك أن تستفهم منه على فرض عدم الفهم، أما عدم الفهم الشخصي فلا يعني عدم فهم الآخرين، فلماذا يلغي من لم يفهم مفردةً ما من عقول الآخرين؟ هذا خلاف المسار المنطقي.
إننا نجد أن القرآن الكريم يطنب في بعض الأحيان، ويوجز في أحيان أخرى بحسب مقتضى الحال، وروعة البلاغة تتجسد في النسج القرآني، ثم بعد ذلك ما جاء عن النبي ﷺ وآل النبي .
4 معاصرة الحدث: فالكثير من القصص القرآني عندما تشرع في سرده فكأنك تعيش الحدث؛ لأنه ينقلك إلى ذلك الواقع، فإن كان المشهد عذاباً وبؤساً كما في قصة النبي إبراهيم فإنك تجد نفسك وكأنك في ذلك المشهد، وكأن إبراهيم جيء به أمامك للنمرود وأنت تشاهده بأم عينك، وقد سجرت النيران هنا وهناك. أما في مواطن الرفق واللين فتجد النبرة على العكس من ذلك تماماً. يقول تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبَاً جَنِيَّاً﴾.
أما عن أهداف وغايات القصص القرآني فيمكن أن نأخذ منها ما يلي:
1 التفكر في حياة الأمم السابقة: فقد قرأنا القرآن الكريم مئات بل آلاف المرات، وختمناه مئات الختمات في أقل التقادير، وطرقت أسماعنا الكثير من قصص الأنبياء والأمم، فأي القصص استوقفنا؟
إن القصص القرآني يختلف في نسجه من مورد إلى آخر، فهل أننا نميز بين تلك الموارد؟ وسؤالي إنما هو للعموم وليس لكم أنتم المخاطبين تحديداً، فأنتم من أهل الفهم والعلم، إلا أن الكلام لا ينحصر بهذا الجامع إنما يغادر إلى المساحات البعيدة.
يقول تعالى: ﴿فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعِلَّهُمْ يَتَفَكَّرُوْنَ﴾ [7] أي أنه أسلوب ووسيلة وطريق، لا أنه للتسلية أو غير ذلك.
ولما أغلق باب تدوين السنة المطهرة الصادرة عن النبي ﷺ بأقصر الطرق، دفعت الأمة الضريبة عبر القرون المتصرمة، ولا زالت تدفعها حتى يومنا هذا، فقد أدلى الوضاعون والدساسون والكذابون على النبي ﷺ بدلائهم، فوضعوا القصص واختلقوها وجعلوها في قوالب أحاديث نعتوها بالشريفة، وليس لها من الشرف نصيب، وراحوا يسيئون للأنبياء في تصويرهم للقضايا.
إننا كثيراً ما نضرب المثل في الصبر بأيوب وهو نبي عظيم ابتلي بأشد أنواع الابتلاء، إلا أن الأجدر بنا أن نضرب المثل بمحمد ﷺ فما حصل لأيوب من تعب وعناء ليس إلا قطرة في بحر مما حصل لنبينا محمد ﷺ في حياته أو بعد مماته وإلى يومنا هذا مع الأسف.
ويقول تعالى في هذا الهدف وهو أخذ الدروس والعبر: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرةٌ لأُوْلِي الأَلْبَاب﴾ [8] . وهنا تضيق الدائرة لتشمل أولي الألباب والعقول والنيرة، فمن لم يكن له لب وعقل ناضج، أو كان عقله مجمداً لما هو أقل من درجة الصفر، فلا يمكن أن نتوقع منه أن يتدبر ويتأمل ويتفكر ويتعظ ويكون قرآنياً.
ولا بد أن أذكر هنا أنه ليس من حق أحد أن يخدعنا فيقول: إن التدبر والتفكر من شأن الحوزة العلمية ورجال الدين فحسب، فالله تعالى لم يبعث محمداً ﷺ لرجال الدين، ولا للحوزات العلمية، إنما بعثه للناس كافة ورحمة للعالمين، يخرجهم من الضلال إلى الهدى، ومن الظلمة إلى النور. فمن يجعل القرآن خاصاً، أو يحصر التدبر فيه على مجموعة أو صنف معين فإنما يجعل القرآن عضين. فمن حق كل منا أن يجلس مع القرآن يتدبره، فالله تعالى يقول: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُوْنَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوْبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [9] وهذا الخطاب لعامة الناس وليس لفئة ولا لجهة معينة، بل يذم القلوب التي لا تتدبر القرآن.
فنعت أحد بأنه رجل دين، وأن الآخر ليس برجل دين، فيه الكثير من التجني، فكلنا رجال دين ما دمنا نعتقد بمحمد ﷺ رسولاً، وبآله أولياء. وبعبارة أوضح أننا متعلمون على سبيل نجاة. بل حتى العالم المتقدم في علمه إنما هو متعلم على سبيل نجاة، إذ يفتي بفتواه ثم يقول: والله أعلم. ولم نجد أحداً من المراجع ألحق فتواه بقوله: وهذا حكم الله الذي لا يداخله شك، اللهم إلا في اليقينيات التي يشترك فيها معه جميع الناس.
في حديث عن الإمام الصادق يرويه ابن أبي عمير عن عبد المؤمن الأنصاري قال: «قلت لأبي عبد الله : إن قوماً رووا أن رسول الله ﷺ قال: إن اختلاف أمتي رحمة. فقال : صدقوا، اختلافهم رحمة. قلت: إن كان اختلافهم رحمة، فاجتماعهم عذاب»! فقال : ليس حيث ذهبت وذهبوا»، إنما أراد قول الله عز وجل: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوْا فِي الدِّيْنِ وِلِيُنْذِرُوْا قَومَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُوْنَ﴾ [10] فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله ﷺ ويختلفوا إليه، فيتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم. إنما أراد اختلافهم من البلدان، لا اختلافاً في دين الله، إنما الدين واحد». [11]
لننظر حالنا اليوم، وهل أننا نتعاطى مع الاختلاف في حده لطبيعي، أو أننا بمجرد أن نختلف على فكرة أو جزئية كان أحدنا من ملة والآخر من ملة أخرى؟
إننا إن لم نقرأ تاريخ الأمم، ولم نقترب من حياة علمائنا لا نستطيع أن نتهجى المفردات التي دخلت في مطحنة الأرقام؟
ب عصر الجمود قبل النقلة النوعية الكبرى في مدرسة الحلة: فقد ذكرنا أن المرحلة الأولى «أ» كانت مرحلة تأسيس على يد الشيخ المفيد، والسيد المرتضى ثم أغلقت تلك الفترة بالشيخ الطوسي.
ومنذ الشيخ الطوسي إلى الانتفاضة العلمية في الحوزة الحلية مرّ قرنٌ من الزمن. والباحثون في شؤون تلك الفترة على نحوين: الأول يذهب إلى أن ثمة سباتاً وركوداً علمياً بما تحمل الكلمة من معنى. والثاني يذهب إلى أن البحوث والقراءات والنقد كانت موجودة، بل حتى الرد على الشيخ الطوسي في الكثير من آرائه كان موجوداً، ولكن شمس الطوسي كانت كفيلة أن تطمس النجوم من حولها. وأنا لست مع القول الأول، مع عظم الشيخ الطوسي وعلو كعبه وهو شيخ الطائفة وتراثه ضخم جداً، وأكثر نقاءً من الكثير من أمثاله، على كثرة ما صنّف وألّف. ولكن أرى من الإساءة لأعلام الطائفة أن يلغى تاريخهم وجهدهم بالكامل لقرنٍ من الزمن، وأحسب أن ذلك ضمن حدود مدرسة تحولت من مربع الاحترام والتقدير إلى مربع التقديس، ومتى ما دخلنا في هذا المربع ضعنا وضيعنا، فالعلماء لهم التقدير والاحترام الذي يليق بهم، أما التقديس فهو لمن خُصوا به، والمقدس هو ذلك المعصوم الذي عصمه الله من الخطأ، وما دونه محترم مقدر.
وهنا نجد أن الكثير من أهل والفقه والشريعة صار يعيش حالة من الانقياد شبه التام للشيخ الطوسي، وبقيت سلطة الشيخ على نفوسهم حاكمة إلى حد بعيد، فما إن تتكلم مع أحدهم حتى يقول لك: الشيخ الطوسي يقول ذلك، حتى وإن قلت له: قال الله تعالى. وليس معنى ذلك إلا أن نكسر ريشة القلم فلا نكتب شيئاً، ونغلق أفواهنا فلا نتكلم.
من هنا فإننا نبحث عن الفقيه من هو؟ لكي نضع الأمور ضمن دائرة الاعتدال. وواهم من يتصور أن هذا الجيل الذي يعيش هذه الفترة الزمنية يمكن أن نحجر على عقله، وننأى به عن دائرة البحث والاستفهام وإن كان حرجاً، لأن في ذلك جريمة على هذا الجيل.
في الحديث الشريف عن أبي ذر عن النبي ﷺ أنه قال: «أوصاني خليلي رسول الله ﷺ بخمس: أوصاني بطاعة ولاة الأمر، وأن أصل رحمي وإن ولّت، وأن أقول الحق وإن كان مُرّاً، وأن أجالس المساكين، وأن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله» [12] . فلا أسكت من أجل فلان، أو إرضاء فلان، وليغضب فلان إذا رضي الله تعالى عني.
وأود أن أهمس هنا في آذان البعض بأن خلاف هذا الخلق لم ترده السماء، ولا هو الطريق الذي رسمه النبي ﷺ ولا الحركة التي سار وفقها أئمتنا وجسدها علماؤنا والأخيار من أبناء الأمة، إنما هو سلوك دخيل جاء به المتلبسون بلباس الدين الذين ليس لهم حظ ولا نصيب من العلم والمعرفة. وإلا فإن النبي ﷺ يقول مثلاً: «فشوا السلام وصلوا الأرحام وتهجدوا والناس نيام وأطعموا الطعام وأطيبوا الكلام تدخلوا الجنة بسلام» [13] إلا أن البعض لا يروق له أن يسلم فلان على فلان، لأنه يتقاطع معه ويختلف. بل وصل الحال بالبعض أن يقال له: لنودع مرجع التقليد، فيقول: ذلك لا يشرفني! وما عشت أراك الدهر عجباً!.
نعم، جاء دور مدرسة الحلة، تلك المدرسة السامقة المظلومة، فهي عالية الكعب، إلا أنها مغبونة مظلومة، ووراء ذلك سبب خطير لم يشأ الآخرون لكم أن تعرفوه، وسوف تعرفونه في الأسبوع القادم إن شاء الله. فلماذا صودرت مدرسة الحلة؟ ولماذا لم يسلط الضوء عليها كما ينبغي؟ كل ذلك مرتبط بالمرحلة التالية التي سوف أذكرها في الأسبوع القادم إن شاء الله، وهي أخطر ما في المشهد.
ومن المناسب هنا أن نذكر السيد الإمام «قدس سره» فهو مصداق لمن لا تأخذه في الله لومة لائم، ولنا في هؤلاء العلماء أسوة حسنة.
أسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.