آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

خزانة الأسرار فاطمة الزهراء (ع)

ما أفاضت به مولاتنا الزهراء من وجودها النوراني المبارك في فضاء التكامل الإنساني وعالم الفضيلة، لهو بيان وجزء بسيط من مقامها المعنوي الشامخ، أظهره الباري عز وجل ليكون قبس هدى ومعلم تبيان للحق والاستقامة، ومرشدا للمؤمنين لمعرفة القيم والضوابط التي تسمو بهم في كنف الرشد والمعارف الكاشفة عن الحقائق، وتأخذ بأيديهم نحو ساحل النجاة والسعادة إن تمسكوا بحجزة الورع والخشية من الله تعالى، والتي تترفع بهم عن تسافل النفس البشرية في وحل الشهوات، واضمحلال الخيرية والصلاح منها، وافتقادها لروح الترقي واعتلاء درجات صفاء السريرة.

ويقف البعض بعين التباعد والغفلة عن أسرار بلوغ الصديقة الزهراء لتلك المقامات الروحانية العظيمة، بما لا يقاس مع عمرها الشريف القصير والذي غمرت به الحياة بأنوار قداسة عفتها وعبادتها وقيمها الأخلاقية، إذ سبكت تلك اللآلئ وصيغت فكانت هي كلمات ومواقف الزهراء، فيقول هذا الغافل بأن قدسيتها وعظمتها لا تدانيها أنفاسنا اللاهثة خلف الشهوات وأقدامنا المتسخة بوحل السيئات؛ ليبقي الزهراء في نورانيتها المشعة فقط موئل المحبة والإكبار دون أن تبلغ في نفسه ومشاعره مصدر القدوة والتأسي، مدعيا أننا في غمرات جهلنا لا يمكننا أن نقتفي أثر مقامها السني، فيرتضي لنفسه العيش الخسيس والمقام الاوكس المباين تماما لما سطرته من تاريخ تليد، لا يقاس أبدا بالطول الزمني القصير الذي عاشته في دنيانا، فيقبض يده عن عطائها المعنوي!

ما ينبغي الإشارة له في بضع نقاط توضيحية هو أن طريق التكامل الروحي والاستقامة السلوكية ليس بدرجة أو مستوى واحد، بل يرتقي في مصاعده كلما سلك سبيلا يحيي به نفسه من جنبات العبادة والذكر واليقظة الفكرية والتعامل الراقي مع خلق الله تعالى، والصديقة الطاهرة وإن كانت تعتلي قمة وسنام الكمال والعصمة من الخطأ والزلل، ولكن هذا لا يعني ولا ينافى أن نلتقي مع خط الطهارة المعنوية في أدنى درجاتها، فيسعى المؤمن والمؤمنة بإرادة قوية للتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، وما يواجهه من تعثرات ولحظات ضعف أمام إغراءات وتزيين الشيطان والدنيا الفاتنة، يزيل أثره بالتوبة الصادقة التي تعيد له لباس التقوى والخشية من الله تعالى، وكلما كانت له حدقة عين نابهة وحذرة من حفر المكر والخداع كان ذلك أدعى له للانطلاق في مسلك التكامل وبما يخيب آمال الشيطان والنفس الجامحة.

والأمر الآخر هو الاستفادة من أنوارهم القدسية في غياهب الفتن والابتلاءات، فمن كان عنده مقبس نار أو فانوس يضمه في صندوق ويغلقه عليه، أفيعد هذا من العقل بشيء يذكر سوى أن يقال عنه تصرف لا يمت للحكمة والنضج بالبتة!

وهكذا بالنسبة لعلاقتنا بالزهراء إن جعلناها في خط الإكبار والثناء على سيرتها العطرة، دون أن نتقدم خطوة واحدة في طريق النورانية والاستصباح بهديها وإرشادها.

الفهم الحقيقي للغاية من جعلهم أنوارا محدقة بعرش الله مضيئة زاهية ببهائها، هو أن نجعل سيرتهم مدد العطاء والتوجه، ونضم بين جوانحنا همة عالية وطموحا لا يضعف أمام موجات الإخفاق والصعوبات، فخرائط الكنوز الحكمية والسلوكية نحملها ما كانت بصيرتنا تستضيء بنهجها القويم.