ثقافة الاعتراض
اتخاذ الموقف يدلل على الاستقلالية في التفكير، والقدرة على التحرر من القيود على اختلافها، خصوصا وان الضغوط التي تمارس تدفع البعض لمحاولة الاحتفاظ بالرأي المعارض او المستقل، مما يؤسس لتكريس الرأي الواحد واسكات الأصوات المعارضة، بحيث تصبح الاّراء المخالفة جريمة كبرى لا تغتفر، وتستحق العقاب الشديد.
عملية تقبل الرأي الاخر مرتبطة بالثقافة المجتمعية، القائمة على استيعاب الجميع، فالمجتمع القادر على الاستماع للآخرين، يمثل بيئة خصبة لنمو تعدد الاّراء، بخلاف الكيانات البشرية القائمة على قمع الأصوات، الامر الذي يفسر تنوع المشارب الفكرية، في بعض المجتمعات الانسانية، واختفائها بشكل كلي او نسبي في شعوب أخرى، خصوصا وان إعطاء المساحة الواسعة لإبداء الرأي، يسهم في اتساع دائرة التنوير الفكري، سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي.
أهداف الأصوات المعارضة، تختلف باختلاف التوجهات الثقافية، والقناعات الفكرية، بيد انها تلتقي عند نقطة الاجتهاد في تصحيح المسار، بعد خروج القاطرة عن السكة، فالبعض يحاول تصويب المسيرة، عبر انتهاج طريقة خاطئة، تجلب الويلات على الأمة، وتعمق من الجراح، بينما يتخذ البعض الاخر الطريقة الصائب، ة في عملية عرض الاّراء، مما يساعد على اثراء التجربة الانسانية بالاتجاه السليم، الامر الذي يترجم في دعم المسيرة البشرية في مختلف المجالات، وبالتالي وضع تلك المجتمعات في مقدمة الركب الإنساني، من خلال تقديم الكثير من الخدمات الجليلة، ذات المردود على البشرية جمعاء.
ابداء الرأي المعارض ليس ترفا، او ميزة في حد ذاتها، فالهدف من تعدد الاّراء تصويب بعض الأخطاء، او محاولة إعادة صياغة بعض المواقف الصادمة، بمعنى اخر، فان المعارضة تحمل في طياتها الحرص الشديد، على إنقاذ المسيرة الاجتماعية من السقوط، او الخروج عن جادة الطريق، الامر الذي يؤدي في نهاية المطاف، لوضع النقاط على الحروف.
اختيار الوقت المناسب، والأسلوب المثالي، عوامل أساسية، لامتصاص ردود الأفعال الغاضبة، خصوصا وان عملية عرض الاّراء احد العناصر الهامة، لتمهيد الطريق لتقبل الصوت الاخر، فالمعارضة ليست للصراخ، او الظهور بمظهر المخالف، على قاعدة ”خالف تعرف“، بقدر تحمل في طياتها مسؤولية كبرى، للمساعدة في تجاوز بعض المشاكل القائمة، فالآراء المعارضة لا تخرج عن مبدأ التعاون على الخير، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، فالصوت الاخر ليس شرا او يحاول شق عصى الجماعة، وإنما يستند الى قناعة بضرورة التحرك، في مختلف الاتجاهات للوصول الى الهدف المشترك، خصوصا وان عملية الوصول الى الأهداف، لا تستدعي السير في طريق واحد، فهناك اكثر من جادة تقود الى نقطة النهاية.
تكريس ثقافة الاعتراض، ينسجم مع الحرية الفكرية، والاستقلالية، التي أودعها الخالق لدى الانسان، فالحجر الممارس على فضاء التفكير لدى البشر، يولد مشاكل ويحول دون القدرة، على مواصلة التطور، في مختلف المجالات.