قراءة نقدية في أطروحات أبي عدنان
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على محمد وآل محمد
لطالما طالب السيد محمد رضا السلمان بنقد ما يطرح على المنابر وعدم السكوت على الأخطاء الفادحة التي يقع فيها بعض الخطباء، إذ أنّ ما يقولونه هو العقل المكوّن للمجتمع الشيعي على مرّ العصور وهم الصوت الأكثر تأثيراً في أوساط النّاس.
ومن هذا المنطلق سنضع آخر خطبة ألقاها السيد «أبو عدنان» بعنوان: العلم والإيمان أساس الكمال الإنساني «11» في مسجد الإمام الحسين بالمبرّز بتاريخ 18/06/1438 هـ «رابط الخطبة مرفق آخر المقال».
تحت ميزان النقد العلمي تطبيقا لما دأب السيد على الدعوة إليه أكثر من مرّة بل حتّى في خصوص هذه الخطبة حيث قال في الدقيقة 15:29 ما نصّه: «اليوم من يشوف رجل دين ينتقد رجل دين بناء كل شيء انتهى.. طبيعي أن تنتقد كلّ إنسان... انتقاد بأدب انتقاد بدليل وهذا ما نسعى لتحقيقه».
ونحن سنتبّع هذا الإسلوب في نقد ما ذكره السيد في خطبته التي للأسف الشديد كان الهدف منها صيانة العقل الشيعي من الخلط والخبط الذي نراه على بعض المنابر والحال أنّ كلام أبي عدنان كان فيه الخلط والخبط الكثير:
قال السيد أبو عدنان في الدقيقة 5:34 «هؤلاء أصولهم تركية وهو أبناء عمومة بنو عثمان خلفاء الدولة العثمانية في تركيا اليوم».
لا أدري ما هو المصدر الذي اعتمد عليه السيد أبو عدنان في هذا النسب؟! إذ أنّ الصفويين كانوا ينسبون أنفسهم إلى السلالة الهاشمية وتحديدا كانوا موسويين، وأقدم مصدر تحدّث عن نسب جدّهم صفي الدين الأردبيلي هو كتاب صفوة الصفا الذي ألّفه ابن بزّاز الأردبيلي سنة 759 هـ وأنهى النسب إلى محمد الأعرابي بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر ؛
وقد أثبت هذا النّسب جملة من المؤرّخين بل حتّى من علماء الطائفة أعلى الله برهانهم.
والذين أنكروا هذا النسب من المحققين في التاريخ أو المناوئين لهذه الأسرة لم يتفقوا على نسب واحد لهم فمنهم من أرجع أصولهم إلى الكرد ومنهم من نسبهم إلى العرق الآري ومن أراد الإستزادة في بحث نسب هذه الأسرة عليه بكتاب «الصفويون من الطريقة الصوفية حتى تأسيس الدولة» للدكتور طالب محيبس الوائلي.
ولا أعلم أحدا من المتقدّمين أو المتأخرين نسبهم إلى نفس السلالة العثمانية الأوغوزية «الغزيّة» إلّا السيد أبا عدنان بل رتّب السيد الأثر على هذه العلاقة النسبية قال في الدقيقة 11:34 «المسلك الثاني أنّ صراعا خفيّا بين أبناء العمومة كان هو سيّد الموقف بين الصفويين أبناء صفي الدين الأردبيلي والعثمانيين في تركيا..» بل لعلّ هذه العلقة النسبية هي أساس خطبته التي تتمحور حول دور الفقيه في ذلك العصر...
قال السيد أبو عدنان في الدقيقة 10:05 «التحول المذهبي في إيران قيل أنّ السبب الكامن وراءه أنّ الشاه خدا بنده رأى في المنام أنّه طلّق زوجته وعندما جلس وسأل قاضي القضاة وشيخ الإسلام في وقته قال له امرأتك طالق»
بحسب المصادر الموجودة بين أيدينا: لم أجد مصدرا واحدا ذكر أنّ طلاق الشاه خدابنده لزوجته كان في المنام، بل كلّ المصادر القديمة والحديثة تتطابق حول حصول الطلاق حقيقة لا في المنام: قال المجلسي الأب رحمه الله في روضة المتقين 9/31: كما أنه كان سبب إيمان سلطان محمد الجايتو رحمه الله - إنه غضب على امرأته وقال لها أنت طالق ثلاثا ثمَّ ندم وجمع العلماء فقالوا لا بد من المحلل.
والمشكلة أنّ نقاط الإستفهام التي طرحها السيد كانت حول دعوى المنام التي كرّرها أكثر من مرّة وكانت ركيزة مهمّة في تحليله حول قيام هذه الدولة ومسيرتها!
فنتمنّى أن يسعفنا السيد بالمصدر الذي اعتمد عليه في نقل هذه الجزئية المهمّة...
قال السيد أبو عدنان في الدقيقة 10:32 «إلى أن جمعوا المذاهب الأربعة أشخصوا إلى العلّامة الحلّي جاؤوا به من النجف علامة استفهام طويلة عريضة هنا..»
وهذه علامة استفهام أخرى وضعها السيد حول قضية لا أصل لها!
فالعلامة الحلّي لم يسكن النجف ولم يشخص من النجف بل كان مقيما بالحلة التي ولد بها ومات بها، ومن يرجع إلى مصادر القصّة الأصلية يجد تصريحا بذلك، قال المجلسي في روضته 9/31:... فقال عندكم في كل مسألة أقاويل مختلفة أفليس لكم هنا اختلاف؟ فقالوا: لا، وقال أحد وزرائه إن عالما بالحلة وهو يقول ببطلان هذا الطلاق فبعث كتابه إلى العلامة وأحضره.
وكذلك نقل القصة كاملة بتفاصيلها السيد الخونساري في روضات الجنات 2/283 عن المجلسي الأب رضوان الله عليهما.
مع ملاحظة بسيطة أنّ السيد مرارا وتكرارا كان يضم الحاء في «الحلّي» والحال أنّها بالكسر لأنّ النسبة إنّما هي للحلّة المنطقة المعروفة بالعراق.
قال السيد أبو عدنان في الدقيقة 11:21 «فوقتها الشاه الصفوي قال بطّلنا من المذاهب الأخرى الشافعي وقال اخترنا مذهب أهل البيت...»
هذا اشتباه آخر يضاف لرصيد السيد أبي عدنان: إذ أنّ محمد خدابنده ليس صفويا النسب ولا الإنتماء بل هو من حكام المغول وهو أولغايتوا ابن حفيد هولاكو خان صاحب الحملة المغولية على العراق، وصل إلى العرش بوصية من أخيه غازان سنة 716 هـ وغيّر إسمه إلى «محمد خدابنده» وهو صاحب القصّة المعروفة في تحولّه للمذهب الشيعي «راجع تاريخ المغول العظام والإيلخانيين 297».
والظاهر أنّ السيد خلط بين محمد خدابنده المغولي المتقدّم ذكره ومحمد خدابنده الشاه الصفوي الذي اعتلى العرش سنة 985 هـ إلى 996 هـ «تاريخ الدولة الصفوية في إيران 115» وبين الرجلين أكثر من قرنين ونصف!
قال السيد أبو عدنان في الدقيقة 13:15 «العلامة الحلّي رحمة الله تعالى عليه نعم عمل وبقوة في تثبيت أركان هذه الدولة هذا لا ينكر...» وقال في الدقيقة 20: 50 «الدولة الصفوية مع العلامة في مسار الفقه لا إشكال أنّها أحدثت الشيء الكثير...»
ممّا تقدّم من الإشتباهات التي وقع فيها السيد أبو عدنان تبيّن زيف هذا الأمر، إذ أنّ العلامة الحلّي لا علاقة له البتّة بالدولة الصفوية إذ أنّه توفي قدس الله روحه سنة 726 هـ في حين أنّ الدولة الصفوية قامت رسميا على يد الشاه إسماعيل سنة 907 هـ ، فبين العلامة رضوان الله عليه وهذه الدولة مائتي سنة من سنين الدنيا لا أدري أين ذهب بها أبو عدنان عصمه الله من الخطإ والخطل...
فضلا على كون العلامة من المؤسسين لهذه الدولة ومن الذين شاركوا في تثبيت أركانها وتغيير الواقع الشيعي كما هو مضمون الخطبة.
قال السيد أبو عدنان في الدقيقة 15:14 «لما أقول لك محمد أمين الأسترآبادي شيخ الأخبارية وقتها المعاصر للعلامة...»
هذا اشتباه تاريخي آخر للسيد أقال الله عثرته: إذ أنّ الأمين الأسترآبادي توفي 1023 هـ وقد تقدّم أنّ العلامة قدس الله روحه توفي سنة 726 هـ كما أرّخ له صاحب الروضات الكتاب الذي أحال عليه السيد في خطبته وطلب من جمهوره أن يقرؤوا صفحة 282، وبهذا يكون بينهما ثلاثة قرون كاملة لا أدري كيف أسقطها السيد سهوا؟!!
قال السيد أبو عدنان في الدقيقة 24:45 اقرؤوا هذه الحقبة شنو كان الوضع بين المحقق القطيفي شيخ إبراهيم والمحقق الكركي رضوان الله عليهما صراع عجيب غريب في هذه الزاوية مسألة الإضافة أن يكون الإنسان فقيه السلطان
لم يوفّق السيد في تصوير الصراع بين الشيخ القطيفي والكركي فجعل الأمر يبدو للوهلة الأولى أنّه صراع سياسي بين تيّارين متنازعين، والحال أنّ القضية هي فقهية بحتة، والخلاف بين الفقيهين كان حول بعض المسائل الفقهية المتعلّقة بالدولة وغيرها.
قال السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة 3/87:... حتى أنه ألف في جملة من المسائل في مقابلة الشيخ علي المذكور ردا عليه ونقضا لما ذكر منها مسألة حل الخراج كما هو المشهور فإن الشيخ علي صنف في حله رسالة سماها قاطعة اللجاج في حل الخراج فصنف الشيخ إبراهيم في حرمته رسالة سماها السراج الوهاج لدفع لجاج قاطعة اللجاج واقتفى أثره في هذه المسألة المحقق الأردبيلي رحمه الله في شرح الارشاد وقد حققنا المسألة في كتاب المتاجر من كتاب الحدائق الناضرة وفق الله تعالى لاتمامه. وصنّف رسالة في عدم مشروعية الجمعة في زمان الغيبة مطلقا ردا على الشيخ علي في رسالته التي ألفها في وجوبها بشرط الفقيه الجامع للشرائط وصنف رسالة في القول بالمنزلة في الرضاع ردا على الشيخ علي في رسالته التي ألّفها في بطلان القول بالتنزيل وفي الجميع ما أصاب ولا وفق للصواب وقد حققنا جميع ذلك بما لا مزيد عليه في كتاب الحدائق الناضرة ورسالة كشف القناع.
والعجيب أنّ السيد أدخل مصطلح فقيه السلطان أو فقيه البلاط والحال أنّ المحقق الكركي لم يكن تابعا للشاه الصفوي بل كان الشاه مؤتمرا بأمره خاضعا له حتى أنّ الشاه طهماسب كان يقول له: أنت أحقّ بالملك لأنّك النائب عن الإمام وأنا أكون من عمالك أقوم بأوامرك ونواهيك «مدينة الحديث 1/114» واشتهر قول الشاه: معزول الشيخ لا يستخدم ومنصوبه لا يعزل «أعيان الشيعة 8/107»
قال السيد أبو عدنان في الدقيقة 28:13 «البرهان للبحراني اللي سالقنا بيه أحد مشايخ المنبر الحسيني على القنوات اليوم نتاج تلك المرحلة روايات ما تدري منين مجيوبة...»
لا أدري ما مشكلة السيد مع تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني قدس الله روحه الطاهرة والترويج له على منابر أهل البيت إذ لا يختلف إثنان في أنّ مؤلّفه من أعلام الإمامية في العالم الإسلامي عامّة وفي إقليم البحرين خاصّة.
أمّا بخصوص روايات هذا التفسير فلو أتعب السيد نفسه قليلا وراجع التفسير قبل أن يلقي خطبته العصماء لوجد أنّ السيد هاشم البحراني قد ذكر في مقدمة تفسيره كلّ المصادر التي اعتمد عليها:
فالباب السادس عشر في مقدّمات الكتاب أسماه السيد «باب في ذكر الكتب المأخوذ منها الكتاب» وعدّد 42 مصدرا اعتمد عليه في تفسيره «تفسير البرهان60»؛ بل إنّ السيد قدس سرّه إلتزم في تفسيره بذكر المصدر الذي ينقل منه قبل إيراد الرواية بل وذكر تمام الأسانيد، فهل بعد كلّ هذا يسأل عن روياته ب «من وين مجيوبة؟»
قال السيد أبو عدنان في الدقيقة 30: 30 «حتى الدولة الإسلامية منعت طبع المطاعن في بحار الأنوار 7 مجلدات...»
وقع السيد أبو عدنان في اشتباه آخر في هذا الكلام الذي ذكره وهو أنّ هذا المنع الذي صدر من الطباعة كان قد صدر عن السيد البروجردي رضي الله عنه المتوفّى سنة 1961م أي قبل سقوط حكم الشاه وليس هذا المنع من مستحدثات الجمهورية الإسلامية كما يوهم كلامه بذلك.
وثانيا إنّ مطاعن بحار الأنوار ليست سبع مجلّدات كما ذكر بل هي ثلاث مجلّدات 29، 30، 31 وهي التي منعت من الطبع وقد ألحق بها البعض 32 و33 ولم تبلغ السبعة بأي حال من الأحوال.
قال السيد أبو عدنان في الدقيقة 30:55 «الهدف من هذا شنو؟ تولدت مدرسة الغلو...»
لا أظنّ أنّه يخفى على السيد أبي عدنان أنّ مدرسة الغلو نشأت في زمن المعصومين ، وقد لعن الأئمة أقطاب هذه المدرسة وتبرؤوا منهم وأمروا شيعتهم بذلك وبقيت هذه المدرسة إلى زمن الغيبة الصغرى والكبرى ثم ذابت في المذاهب الأخرى كالإسماعيلية والنصيرية وغيرها ولم يبق لها وجود في أوساطنا الإمامية.
ولا أعلم مصدرا ذكر أنّ هناك حركة غلو نشطت في العصر الصفوي بل لم أسمع حتى باسم أحد الغلاة أو مؤلف صنّف في نصرة الغلو والغلاة في ذلك العصر.
تلك عشرة كاملة من الإشتباهات التي ذكرها السيد أبو عدنان في خطبته الأخيرة ولم نستقص كلّ ما قاله ونعلّق عليه بل اخترنا بعض الأخطاء الواضحة التي لا تخفى على مطّلع على مظانّها.
والغرض من هذا هو تنبيه السيد أبي عدنان بنفس ما نبّه به خطباء المنبر إذ يقول في نفس الخطبة الدقيقة 29:26 «عبالك تقرأ بسرداب ما تدري مليون عين وعين مفتوحة ملايين يا الله..» فمن يريد القيام بحركة تصحيح للواقع ونقد للخطاب الديني عليه أن يبدأ بنفسه أوّلا ليكون قدوة لغيره وإلّا اجتماع هذا العدد من الأخطاء في خطبة واحدة هو مؤشّر خطير.
والعجيب من المستمعين الذين كثيرا ما دعاهم السيد للاستنكار وعدم الاكتفاء بالحضور السلبي كيف سكتوا ولم يصحّحوا لأبي عدنان ما ذكره ولو بنحو جزئي، رغم أنّه توجّه لهم بالخطاب أكثر من مرّة، فلا أدري أكان سكوتهم جهلا بهذه القضايا أم كان مداراة ومحاباة للسيد؟!
نرجو من السيد أن يتقبّل منّا هذه الملاحظات بصدر رحب وأن لا يستخدم منطق التبرير الذي انتقده في الخطبة في الدقيقة 30:00 بل المأمول منه تصحيح هذه الإشتباهات في الخطب القادمة وأن يكون قدوة لغيره.